صفحة جزء
( 5409 ) فصل : وإذا زنت المرأة ، لم يحل لمن يعلم ذلك نكاحها إلا بشرطين ; أحدهما ، انقضاء عدتها ، فإن حملت من الزنى فقضاء عدتها بوضعه ، ولا يحل نكاحها قبل وضعه . وبهذا قال مالك وأبو يوسف . وهو إحدى الروايتين عن أبي حنيفة . وفي الأخرى قال : يحل نكاحها ويصح . وهو مذهب الشافعي ; لأنه وطء لا يلحق به النسب ، فلم يحرم النكاح ، كما لو لم تحمل .

ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم { : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ، فلا يسقي ماءه زرع غيره } . يعني وطء الحوامل . وقول النبي صلى الله عليه وسلم { : لا توطأ حامل حتى تضع } . صحيح

، وهو عام ، وروي عن سعيد بن المسيب ، { أن رجلا تزوج امرأة ، فلما أصابها وجدها حبلى ، فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ففرق بينهما ، وجعل لها الصداق ، وجلدها مائة . } رواه سعيد

{ . ورأى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة مجحا على باب فسطاط ، فقال : لعله يريد أن يلم بها ؟ قالوا : نعم . قال : لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره ، كيف يستخدمه وهو لا يحل له ؟ أم كيف يورثه وهو لا يحل له ؟ } . أخرجه مسلم . ولأنها حامل من غيره ، فحرم عليه نكاحها ، كسائر الحوامل . وإذا ثبت هذا لزمتها العدة ، وحرم عليها النكاح فيها ; لأنها في الأصل لمعرفة براءة الرحم ، ولأنها قبل العدة يحتمل أن تكون حاملا ، فيكون نكاحها باطلا ، فلم يصح ، كالموطوءة بشبهة .

وقال أبو حنيفة والشافعي : لا عدة عليها ; لأنه وطء لا تصير به المرأة فراشا ، فأشبه وطء الصغير . ولنا ، ما ذكرناه ، لأنه إذا لم يصح نكاح الحامل ، فغيرها أولى ، لأن وطء الحامل لا يفضي إلى اشتباه النسب ، وغيرها يحتمل أن يكون ولدها من الأول ، ويحتمل أن يكون من الثاني ، فيفضي إلى اشتباه الأنساب ، فكان بالتحريم [ ص: 108 ] أولى ، ولأنه وطء في القبل ، فأوجب العدة ، كوطء الشبهة ، ولا نسلم وطء الصغير الذي يمكن منه الوطء . والشرط الثاني ، أن تتوب من الزنا ، وبه قال قتادة ، وإسحاق ، وأبو عبيد .

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والشافعي : لا يشترط ذلك ; لما روي أن عمر ضرب رجلا وامرأة في الزنى ، وحرص أن يجمع بينهما ، فأبى الرجل . وروي أن رجلا سأل ابن عباس عن نكاح الزانية ، فقال : يجوز ، أرأيت لو سرق من كرم ، ثم ابتاعه ، أكان يجوز ؟ . ولنا ، قول الله تعالى { : والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك إلى قوله : وحرم ذلك على المؤمنين } .

وهي قبل التوبة في حكم الزنى ، فإذا تابت زال ذلك ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { التائب من الذنب كمن لا ذنب له } . وقوله { التوبة تمحو الحوبة } . وروي { أن مرثدا دخل مكة ، فرأى امرأة فاجرة يقال لها عناق ، فدعته إلى نفسها ، فلم يجبها ، فلما قدم المدينة سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : أنكح عناقا ؟ فلم يجبه ، فأنزل الله تعالى { : الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك } . فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا عليه الآية ، وقال : لا تنكحها } .

ولأنها إذا كانت مقيمة على الزنا لم يأمن أن تلحق به ولدا من غيره ، وتفسد فراشه . فأما حديث عمر ، فالظاهر أنه استتابها . وحديث ابن عباس ليس فيه بيان ، ولا تعرض له لمحل النزاع . إذا ثبت هذا فإن عدة الزانية كعدة المطلقة ; لأنه استبراء لحرة ، فأشبه عدة الموطوءة بشبهة . وحكى ابن أبي موسى ، أنها تستبرأ بحيضه ; لأنه ليس من نكاح ولا شبهة نكاح ، فأشبه استبراء أم الولد إذا عتقت . وأما التوبة ، فهي الاستغفار والندم والإقلاع عن الذنب ، كالتوبة من سائر الذنوب .

وروي عن ابن عمر ، أنه قيل له : كيف تعرف توبتها ؟ قال : يريدها على ذلك ، فإن طاوعته فلم تتب ، وإن أبت فقد تابت . فصار أحمد إلى قول ابن عمر اتباعا له . والصحيح الأول ، فإنه لا ينبغي لمسلم أن يدعو امرأة إلى الزنى ، ويطلبه منها . ولأن طلبه ذلك منها إنما يكون في خلوة ، ولا تحل الخلوة بأجنبية ، ولو كان في تعليمها القرآن ، فكيف يحل في مراودتها على الزنى ، ثم لا يأمن إن أجابته إلى ذلك أن تعود إلى المعصية ، فلا يحل للتعرض لمثل هذا ، ولأن التوبة من سائر الذنوب ، وفي حق سائر الناس ، وبالنسبة إلى سائر الأحكام ، على غير هذا الوجه ، فكذلك يكون هذا .

التالي السابق


الخدمات العلمية