صفحة جزء
( 5488 ) مسألة ; قال : ( ولا يجوز نكاح المتعة ) معنى نكاح المتعة أن يتزوج المرأة مدة ، مثل أن يقول : زوجتك ابنتي شهرا ، أو سنة ، أو إلى انقضاء الموسم ، أو قدوم الحاج . وشبهه ، سواء كانت المدة معلومة أو مجهولة . فهذا نكاح باطل . نص عليه أحمد ، فقال : نكاح المتعة حرام . وقال أبو بكر : فيها رواية أخرى ، أنها مكروهة غير حرام ; لأن ابن منصور سأل أحمد عنها ، فقال : يجتنبها أحب إلى . وقال فظاهر هذا الكراهة دون التحريم . وغير أبي بكر من أصحابنا يمنع هذا ، ويقول : في المسألة رواية واحدة في تحريمها . وهذا قول عامة الصحابة والفقهاء . وممن روي عنه تحريمها عمر ، وعلي ، وابن عمر ، وابن مسعود ، وابن الزبير قال ابن عبد البر : وعلى تحريم المتعة مالك ، وأهل المدينة ، وأبو حنيفة في أهل العراق ، والأوزاعي في أهل الشام ، والليث في أهل مصر ، والشافعي ، وسائر أصحاب الآثار

وقال زفر : يصح النكاح ، ويبطل الشرط . وحكي عن ابن عباس ، أنها جائزة . وعليه أكثر أصحاب عطاء وطاوس . وبه قال ابن جريج وحكي ذلك عن أبي سعيد الخدري ، وجابر وإليه ذهب الشيعة ; لأنه قد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن فيها ، وروي أن عمر قال : { متعتان كانتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفأنهى عنهما ، وأعاقب عليهما ; متعة النساء ، ومتعة الحج . } ولأنه عقد على منفعة ، فيكون مؤقتا ، كالإجارة . ولنا ما روى الربيع بن سبرة ، أنه قال أشهد على أبي ، أنه حدث { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه في حجة الوداع } . وفي لفظ : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم { حرم متعة النساء . } . رواه أبو داود وفي لفظ رواه ابن ماجه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { يا أيها الناس ، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع ، ألا وإن الله قد حرمها إلى يوم القيامة }

. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن متعة النساء يوم خيبر ، وعن لحوم الحمر [ ص: 137 ] الأهلية . } رواه مالك ، في ( الموطأ ) وأخرجه الأئمة النسائي وغيره

واختلف أهل العلم في الجمع بين هذين الخبرين ، فقال قوم : في حديث علي تقديم وتأخير ، وتقديره أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، ونهى عن متعة النساء ، ولم يذكر ميقات النهي عنها ، وقد بينه الربيع بن سبرة في حديثه ، أنه كان في حجة الوداع . حكاه الإمام أحمد عن قوم ، وذكره ابن عبد البر وقال الشافعي : لا أعلم شيئا أحله الله ثم حرمه ، ثم أحله ثم حرمه ، إلا المتعة . فحمل الأمر على ظاهره ، وأن النبي صلى الله عليه وسلم حرمها يوم خيبر ، ثم أحلها في حجة الوداع ثلاثة أيام ، ثم حرمها ، ولأنه لا تتعلق به أحكام النكاح ، من الطلاق ، والظهار ، واللعان ، والتوارث ، فكان باطلا ، كسائر الأنكحة الباطلة . وأما قول ابن عباس ، فقد حكي عنه الرجوع عنه ، فروى أبو بكر ، بإسناده عن سعيد بن جبير ، قال : قلت لابن عباس : لقد كثرت القالة في المتعة ، حتى قال فيها الشاعر :

أقول وقد طال الثواء بنا معا يا صاح هل لك في فتيا ابن عباس     هل لك في رخصة الأطراف آنسة
تكون مثواك حتى مصدر الناس

فقام خطيبا ، وقال : إن المتعة كالميتة والدم ولحم الخنزير . فأما إذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها فقد ثبت نسخه .

وأما حديث عمر إن صح عنه فالظاهر أنه إنما قصد الإخبار عن تحريم النبي صلى الله عليه وسلم لها ، ونهيه عنها ، إذ لا يجوز أن ينهى عما كان النبي صلى الله عليه وسلم أباحه ، وبقي على إباحته .

التالي السابق


الخدمات العلمية