صفحة جزء
( 5510 ) الفصل الرابع : أنه يرجع بالمهر على من غره . وقال أبو بكر : فيه روايتان ; إحداهما ، يرجع به . والأخرى : لا يرجع . والصحيح أن المذهب رواية واحدة ، وأنه يرجع به ; فإن أحمد قال : كنت أذهب إلى قول علي فهبته ، فملت إلى قول عمر : إذا تزوجها ، فرأى جذاما أو برصا ، فإن لها المهر بمسيسه إياها ، ووليها ضامن للصداق

وهذا يدل على أنه رجع إلى هذا القول ، وبه قال الزهري ، وقتادة ، ومالك ، والشافعي في القديم . وروي عن علي أنه قال : لا يرجع . وبه قال أبو حنيفة ، والشافعي في الجديد ; لأنه ضمن ما استوفى بدله ، وهو الوطء ، فلا يرجع به على غيره ، كما لو كان المبيع معيبا فأكله . ولنا ما روى مالك ، عن يحيى بن سعيد ، عن سعيد بن المسيب ، قال قال : عمر بن الخطاب : أيما رجل تزوج بامرأة بها جنون أو جذام أو برص ، فمسها ، فلها صداقها ، وذلك لزوجها غرم على وليها .

ولأنه غره في النكاح بما يثبت الخيار ، فكان المهر عليه ، كما لو غره بحرية أمة . وإذا ثبت هذا ، فإن كان الولي علم غرم ، وإن لم يكن علم فالتغرير من المرأة ، فيرجع عليها بجميع الصداق . وإن اختلفوا في علم الولي ، فشهدت بينة عليه بالإقرار بالعلم ، وإلا فالقول قوله مع يمينه

قال الزهري ، وقتادة : إن علم الولي غرم ، وإلا استحلف بالله العظيم ; أنه ما علم ، ثم هو على الزوج . وقال القاضي : إن كان أبا ، أو جدا ، أو ممن يجوز له أن يراها ، فالتغرير من جهته ، علم أو لم يعلم . وإن كان ممن لا يجوز له أن يراها ، كابن العم ، والمولى ، وعلم غرم ، وإن أنكر ، ولم تقم بينة بإقراره ، فالقول قوله ، ويرجع على المرأة بجميع الصداق

وهذا قول مالك إلا أنه قال : إذا ردت المرأة ما أخذت ، ترك لها قدر ما تستحل به ، لئلا تصير كالموهوبة . وللشافعي قولان ، كقول مالك والقاضي . ولنا ، على أن الولي إذا لم يعلم لا يغرم ، أن التغرير من غيره ، فلم يغرم ، كما لو كان ابن عم . وعلى أنه يرجع بكل الصداق ، أنه مغرور منها ، فرجع بكل الصداق ، كما لو غره الولي . وقولهم : لا يخفى على من يراها . لا يصح ; فإن عيوب [ ص: 145 ] الفرج لا اطلاع له عليها ، ولا يحل له رؤيتها ، وكذلك العيوب تحت الثياب ، فصار في هذا كمن لا يراها ، إلا في الجنون ، فإنه لا يكاد يخفى على من يراها ، إلا أن يكون غائبا . وأما الرجوع بالمهر ، فإنه لسبب آخر ، فيكون بمنزلة ما لو وهبته إياه ، بخلاف الموهوبة .

التالي السابق


الخدمات العلمية