صفحة جزء
( 5576 ) مسألة قال : وإذا تزوجها على محرم ، وهما مسلمان ، ثبت النكاح ، وكان لها مهر المثل ، أو نصفه إن كان طلقها قبل الدخول . في هذه المسألة ثلاث مسائل : ( 5577 ) المسألة الأولى أنه إذا سمى في النكاح صداقا محرما ، كالخمر والخنزير ، فالتسمية فاسدة ، والنكاح صحيح . نص عليه أحمد وبه قال عامة الفقهاء ; منهم الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وأصحاب الرأي .

وحكي عن أبي عبيد أن النكاح فاسد . واختاره أبو بكر عبد العزيز ، قال لأن أحمد قال في رواية المروذي : إذا تزوج على مال غير طيب ، فكرهه . فقلت : ترى استقبال النكاح ؟ فأعجبه . وحكي عن مالك أنه إن كان بعد الدخول ، ثبت النكاح ، وإن كان قبله ، فسخ ، واحتج من أفسده بأنه نكاح جعل الصداق فيه محرما ، فأشبه نكاح الشغار .

ولنا أنه نكاح لو كان عوضه صحيحا كان صحيحا فوجب أن يكون صحيحا وإن كان عوضه فاسدا ، كما لو كان مغصوبا أو مجهولا ، ولأنه عقد لا يفسد بجهالة العوض ، فلا يفسد بتحريمه كالخلع ، ولأن فساد العوض لا يزيد على عدمه ، ولو عدم كان العقد صحيحا ، فكذلك إذا فسد ، وكلام أحمد في رواية المروذي ، محمول على الاستحباب ; فإن مسألة المروذي في المال الذي ليس بطيب ، وذلك لا يفسد العقد بتسميته فيه اتفاقا .

وما حكي عن مالك لا يصح ; فإن ما كان فاسدا قبل الدخول ، فهو بعده فاسد ، كنكاح ذوات المحارم ، فأما إذا فسد الصداق لجهالته أو عدمه ، أو العجز عن تسليمه ، فإن النكاح ثابت . لا نعلم فيه خلافا ، وقول الخرقي : " وهما مسلمان " . احتراز من الكافرين إذا عقد النكاح بمحرم ، فإن هذه قد مر تفصيلها .

( 5578 ) المسألة الثانية : أنه يجب مهر المثل . وهذا قول أكثر أهل العلم منهم مالك ، والشافعي ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي . وذلك لأن فساد العوض يقتضي رد المعوض وقد تعذر رده لصحة النكاح ، فيجب رد قيمته ، وهو مهر المثل ، كمن اشترى شيئا بثمن فاسد ، فقبض المبيع ، وتلف في يده فإنه يجب عليه رد قيمته . فإن دخل [ ص: 171 ] بها استقر مهر المثل ، في قولهم جميعا وإن مات أحدهما ، فكذلك ، لأن الموت يقوم مقام الدخول في تكميل الصداق وتقريره ، وقال أبو الخطاب : فيه رواية أخرى ، لا يستقر بالموت ، إلا أن يكون قد فرضه لها . وإن طلق قبل الدخول ، فلها نصف مهر المثل وبهذا قال الشافعي وقال أصحاب الرأي : لها المتعة ; لأنه لو لم يسم لها صداقا كان لها المتعة ، فكذلك إذا سمى لها تسمية فاسدة ; لأن هذه التسمية كعدمها . وذكر القاضي ، في الجامع أنه لا فرق بين من لم يسم لها صداقا ، وبين من سمى لها محرما كالخمر ، أو مجهولا كالثوب وفي الجميع روايتان ; إحداهما ، لها المتعة إذا طلقها قبل الدخول ، لأن ارتفاع العقد يوجب رفع ما أوجبه من العوض كالبيع ، لكن تركناه في نصف المسمى لتراضيهما عليه ، فكان ما تراضيا عليه أولى ففي مهر المثل يبقى على الأصل في أنه يرتفع وتجب المتعة .

والثانية ، أن لها نصف مهر المثل ; لأن ما أوجبه عقد النكاح يتنصف بالطلاق قبل الدخول ، ومهر المثل قد أوجبه العقد ، فيتنصف به كالمسمى . والخرقي فرق بينهما ، فأوجب في التسمية الفاسدة نصف مهر المثل ، وفي المفوضة المتعة . وهو مذهب الشافعي ; لأن المفوضة رضيت بلا عوض ، وعاد إليها بضعها سليما ، وإيجاب نصف المهر لها لا وجه له ; لأن الله تعالى أوجب لها المتعة ، ففي إيجاب نصف المهر جمع بينهما أو إسقاط للمتعة المنصوص عليها ، وكلاهما فاسد .

وأما التي اشترطت لنفسها مهرا ، فلم ترض إلا بعوض ، ولم يحصل لها العوض الذي اشترطته ، فوجب لها بدل ما فات عليها من العوض ، وهو مهر المثل ، أو نصفه إن كان قبل الدخول ، ولأن الأصل وجوب مهر المثل ، لأنه وجب بالعقد ، بدليل أنه يستقر بالدخول والموت ، وإنما خولف هذا في المفوضة بالنص الوارد فيها ، ففيما عداها يبقى على الأصل .

التالي السابق


الخدمات العلمية