صفحة جزء
الحكم الثالث ، أن الصداق إذا زاد بعد العقد ، لم يخل من أن تكون الزيادة غير متميزة ، كعبد يكبر أو [ ص: 175 ] يتعلم صناعة أو يسمن ، أو متميزة ، كالولد والكسب والثمرة ، فإن كانت متميزة أخذت الزيادة ، ورجع بنصف الأصل ، وإن كانت غير متميزة ، فالخيرة إليها ، إن شاءت دفعت إليه نصف قيمته يوم العقد ; لأن الزيادة لها لا يلزمها بذلها ولا يمكنها دفع الأصل بدونها ، فصرنا إلى نصف القيمة ، وإن شاءت دفعت إليه نصفا زائدا ، فيلزمه قبوله ; لأنها دفعت إليه حقه وزيادة لا تضر ولا تتميز ، فإن كان محجورا عليها ، لم يكن لها الرجوع إلا في نصف القيمة لأن الزيادة لها ، ولا يجوز لها ولا لوليها التبرع بشيء لا يجب عليها .

وإن نقص الصداق بعد العقد ، فهو من ضمانها ، ولا يخلو أيضا من أن يكون النقص متميزا أو غير متميز ، فإن كان متميزا ، كعبدين تلف أحدهما ، فإنه يرجع بنصف الباقي ونصف قيمة التالف ، أو مثل نصف التالف إن كان من ذوات الأمثال ، وإن لم يكن متميزا ، كعبد كان شابا فصار شيخا ، فنقصت قيمته ، أو نسي ما كان يحسن من صناعة أو كتابة ، أو هزل ، فالخيار إلى الزوج ، إن شاء رجع بنصف قيمته وقت ما أصدقها ; لأن ضمان النقص عليها ، فلا يلزمه أخذ نصفه ; لأنه دون حقه ، وإن شاء رجع بنصفه ناقصا ، فتجبر المرأة على ذلك ، لأنه رضي أن يأخذ حقه ناقصا ، وإن اختار أن يأخذ أرش النقص مع هذا ، لم يكن له هذا في ظاهر كلام الخرقي وهو قول أكثر الفقهاء . وقال القاضي : القياس أن له ذلك ، كالمبيع يمسكه ويطالب بالأرش .

وبما ذكرناه كله قال أبو حنيفة ، والشافعي وقال محمد بن الحسن : الزيادة غير المتميزة تابعة للعين ، فله الرجوع فيها ; لأنها تتبع في الفسوخ ، فأشبهت زيادة السوق . ولنا أنها زيادة حدثت في ملكها ، فلم تنصف بالطلاق ، كالمتميزة ، وأما زيادة السوق فليست ملكه ، وفارق نماء المبيع ، لأن سبب الفسخ العيب ، وهو سابق على الزيادة ، وسبب تنصيف المهر الطلاق ، وهو حادث بعدها ، ولأن الزوج يثبت حقه في نصف المفروض دون العين ، ولهذا لو وجدها ناقصة ، كان له الرجوع إلى نصف مثلها أو قيمتها ، بخلاف المبيع المعيب ، والمفروض لم يكن سمينا ، فلم يكن له أخذه ، والمبيع تعلق حقه بعينه ، فتبعه ثمنه فأما إن نقص الصداق من وجه وزاد من وجه ، مثل أن يتعلم صنعة وينسى أخرى ، أو هزل وتعلم ، ثبت الخيار لكل واحد منهما ، وكان له الامتناع من العين والرجوع إلى القيمة .

فإن اتفقا على نصف العين جاز ، وإن امتنعت المرأة من بذل نصفها ، فلها ذلك لأجل الزيادة ، وإن امتنع هو من الرجوع في نصفها ، فله ذلك لأجل النقص ، وإذا امتنع أحدهما ، رجع في نصف قيمتها .

( 5585 ) فصل : فإن كانت العين تالفة وهي من ذوات الأمثال ، رجع في نصف مثلها ، وإلا رجع في نصف قيمتها أقل ما كانت من حين العقد إلى حين القبض أو إلى حين التمكين منه ، على ما ذكرنا من الاختلاف ; لأن العين إن زادت ، فالزيادة لها تختص بها ، وإن نقصت قبل ذلك ، فالنقص من ضمانه . وإن طلقها قبل قبض الصداق وقبل الدخول ، وقد زادت زيادة منفصلة ، فهي لها ، تنفرد بها ، وتأخذ نصف الأصل . وإن كانت الزيادة متصلة ، فلها الخيار بين أن تأخذ النصف ويبقى له النصف ، وبين أن تأخذ الكل وتدفع [ ص: 176 ] إليه قيمة النصف غير زائدة . وإن كان ناقصا ، فلها الخيار بين أخذه ناقصا وبين مطالبته بنصف قيمته غير ناقص .

التالي السابق


الخدمات العلمية