صفحة جزء
[ ص: 195 ] مسألة ; قال : ( والزوج هو الذي بيده عقدة النكاح ، فإذا طلق قبل الدخول ، فأيهما عفا لصاحبه عما وجب له من المهر ، وهو جائز الأمر في ماله ، برئ منه صاحبه ) اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح ، فظاهر مذهب أحمد رحمه الله ، أنه الزوج . وروي ذلك عن علي وابن عباس ، وجبير بن مطعم رضي الله عنهم وبه قال سعيد بن المسيب ، وشريح ، وسعيد بن جبير ، ونافع بن جبير مولى ابن عمر ، ومجاهد ، وإياس بن معاوية وجابر بن زيد ، وابن سيرين ، والشعبي ، والثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، والشافعي في الجديد .

وعن أحمد أنه الولي إذا كان أبا الصغيرة . وهو قول الشافعي القديم ، إذا كان أبا أو جدا . وحكي عن ابن عباس ، وعلقمة ، والحسن ، وطاوس ، والزهري ، وربيعة ، ومالك أنه الولي ; لأن الولي بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح ، لكونها قد خرجت عن يد الزوج ، ولأن الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهن ، فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه ، ليكون المعفو عنه في الموضعين واحدا ، ولأن الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة ، بقوله : { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } ثم قال : { أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح } وهذا خطاب غير حاضر .

ولنا ، ما روى الدارقطني ، بإسناده عن عمرو بن شعيب عن أبيه ، عن جده عن { النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ولي العقدة الزوج . } ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج ، فإنه يتمكن من قطعه وفسخه وإمساكه ، وليس إلى الولي منه شيء ، ولأن الله تعالى قال : { وأن تعفوا أقرب للتقوى } والعفو الذي هو أقرب إلى التقوى هو عفو الزوج عن حقه ، أما عفو الولي عن مال المرأة ، فليس هو أقرب إلى التقوى ، ولأن المهر مال للزوجة ، فلا يملك الولي هبته وإسقاطه ، كغيره من أموالها وحقوقها ، وكسائر الأولياء ، ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب ، كقوله تعالى : { حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة } وقال تعالى : { قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم } فعلى هذا متى طلق الزوج قبل الدخول تنصف المهر بينهما ، فإن عفا الزوج لها عن النصف الذي له ، كمل لها الصداق جميعه ، وإن عفت المرأة عن النصف الذي لها منه ، وتركت له جميع الصداق ، جاز ، إذا كان العافي منهما رشيدا جائزا تصرفه في ماله ، وإن كان صغيرا ، أو سفيها ، لم يصح عفوه ; لأنه ليس له التصرف في ماله بهبة ولا إسقاط .

ولا يصح عفو الولي عن صداق الزوجة ، أبا كان أو غيره صغيرة كانت أو كبيرة . نص عليه أحمد ، في رواية الجماعة . وروى عنه ابن منصور : إذا طلق امرأته وهي بكر قبل أن يدخل بها ، فعفا أبوها أو زوجها ، ما أرى عفو الأب إلا جائزا . قال أبو حفص : ما أرى ما نقله ابن منصور إلا قولا لأبي عبد الله قديما .

وظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة ، وأن أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب . وهو الصحيح ; لأن مذهبه أنه لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ، ولا إعتاق عبيده ، ولا تصرفه له إلا بما فيه مصلحته ، ولا حظ لها في هذا الإسقاط ، فلا يصح .

وإن قلنا برواية ابن منصور ، لم يصح إلا بخمس شرائط ; : أولها أن يكون أبا ; لأنه الذي يلي مالها ، ولا يتهم عليها . [ ص: 196 ] الثاني ، أن تكون صغيرة ، ليكون وليا على مالها ، فإن الكبيرة تلي مال نفسها . الثالث ، أن تكون بكرا لتكون غير مبتذلة ، ولأنه لا يملك تزويج الثيب وإن كانت صغيرة ، فلا تكون ولايته عليها تامة . الرابع ، أن تكون مطلقة ; لأنها قبل الطلاق معرضة لإتلاف البضع . الخامس ، أن تكون قبل الدخول ; لأن ما بعده قد أتلف البضع ، فلا يعفو عن بدل متلف . ومذهب الشافعي على نحو من هذا ، إلا أنه يجعل الجد كالأب .

التالي السابق


الخدمات العلمية