صفحة جزء
( 5670 ) مسألة ; قال : ( فإن لم يحب أن يطعم ، دعا وانصرف ) . وجملة ذلك أن الواجب الإجابة إلى الدعوة ; لأنها الذي أمر به وتوعد على تركه ، أما الأكل فغير واجب ، صائما كان أو مفطرا . نص عليه أحمد ، لكن إن كان المدعو صائما صوما واجبا أجاب ، ولم يفطر ; لأن الفطر غير جائز ; فإن الصوم واجب ، والأكل غير واجب ، وقد روى أبو هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن كان صائما فليدع - وإن كان مفطرا فليطعم } . رواه أبو داود ، وفي رواية " فليصل " . يعني : يدعو . ودعي ابن عمر إلى وليمة ، فحضر ومد يده وقال : بسم الله ، ثم قبض يده ، وقال : كلوا ، فإني صائم .

وإن كان صوما تطوعا ، استحب له الأكل ; لأن له الخروج من الصوم ، فإذا كان في الأكل إجابة أخيه المسلم ، وإدخال السرور على قلبه ، كان أولى . وقد روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان في دعوة ، ومعه جماعة ، فاعتزل رجل من القوم ناحية ، فقال : إني صائم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : دعاكم أخوكم ، وتكلف لكم ، كل ، ثم صم يوما مكانه إن شئت ، } وإن أحب إتمام الصيام جاز ; لما روينا من الخبر المتقدم ، ولكن يدعو لهم ، ويترك ، ويخبرهم بصيامه ; ليعلموا عذره ، فتزول عنه التهمة في ترك الأكل .

وقد روى أبو حفص ، بإسناده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه أجاب عبد المغيرة وهو صائم ، فقال : إني صائم ، ولكني أحببت أن أجيب الداعي ، فأدعو بالبركة . وعن عبد الله قال : إذا عرض على أحدكم الطعام وهو صائم ، فليقل : إني صائم . وإن كان مفطرا ، فالأولى له الأكل ; لأنه أبلغ في إكرام الداعي ، وجبر قلبه . ولا يجب عليه ذلك . وقال أصحاب الشافعي : فيه وجه آخر ، أنه يلزمه الأكل ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { وإن كان مفطرا فليطعم } .

ولأن المقصود منه الأكل ، فكان واجبا . ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا دعي أحدكم فليجب ، فإن شاء أكل ، وإن شاء ترك } . حديث صحيح . ولأنه لو وجب الأكل ، لوجب على المتطوع بالصوم ، فلما لم يلزمه الأكل ، لم يلزمه إذا كان مفطرا . وقولهم : المقصود الأكل . قلنا : بل المقصود الإجابة ، ولذلك وجبت على الصائم الذي لا يأكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية