صفحة جزء
( 5740 ) مسألة ; قال : ( وإذا ظهر منها ما يخاف معه نشوزها وعظها ، فإن أظهرت نشوزا هجرها ، فإن أردعها ، وإلا فله أن يضربها ضربا لا يكون مبرحا ) معنى النشوز معصية الزوج فيما فرض الله عليها من طاعته ، مأخوذ من النشز ، وهو الارتفاع ، فكأنها ارتفعت وتعالت عما فرض الله عليها من طاعته ، فمتى ظهرت منها أمارات النشوز ، مثل أن تتثاقل وتدافع إذا دعاها ، ولا تصير إليه إلا بتكره ودمدمة ، فإنه يعظها ، فيخوفها الله سبحانه ، ويذكر ما أوجب الله له عليها من الحق [ ص: 242 ] والطاعة ، وما يلحقها من الإثم بالمخالفة والمعصية ، وما يسقط بذلك من حقوقها ، من النفقة والكسوة ، وما يباح له من ضربها وهجرها ; لقول الله تعالى { واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن } فإن أظهرت النشوز ، وهو أن تعصيه ، وتمتنع من فراشه ، أو تخرج من منزله بغير إذنه ، فله أن يهجرها في المضجع ; لقول الله تعالى : { واهجروهن في المضاجع } .

قال ابن عباس لا تضاجعها في فراشك . فأما الهجران في الكلام ، فلا يجوز أكثر من ثلاثة أيام ; لما روى أبو هريرة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام } وظاهر كلام الخرقي أنه ليس له ضربها في النشوز في أول مرة . وقد روي عن أحمد إذا عصت المرأة زوجها ، فله ضربها ضربا غير مبرح . فظاهر هذا إباحة ضربها بأول مرة ; لقول الله تعالى : { واضربوهن } . ولأنها صرحت بالمنع فكان له ضربها ، كما لو أصرت ولأن عقوبات المعاصي لا تختلف بالتكرار وعدمه ، كالحدود ووجه قول الخرقي المقصود زجرها عن المعصية في المستقبل ، وما هذا سبيله يبدأ فيه بالأسهل فالأسهل ، كمن هجم منزله فأراد إخراجه .

وأما قوله : { واللاتي تخافون نشوزهن } الآية ، ففيها إضمار تقديره واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن ، فإن نشزن فاهجروهن في المضاجع ، فإن أصررن فاضربوهن ، كما قال سبحانه : { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } والذي يدل على هذا أنه رتب هذه العقوبات على خوف النشوز ; ولا خلاف في أنه لا يضربها لخوف النشوز قبل إظهاره . وللشافعي قولان كهذين فإن لم ترتدع بالوعظ والهجر ، فله ضربها ; لقوله تعالى : { واضربوهن . } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { إن لكم عليهن أن لا يوطئن فرشكم أحدا تكرهونه ، فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح . } رواه مسلم .

ومعنى " غير مبرح " أي ليس بالشديد . قال الخلال : سألت أحمد بن يحيى عن قوله : " ضربا غير مبرح " قال : غير شديد . وعليه أن يجتنب الوجه والمواضع المخوفة ; لأن المقصود التأديب لا الإتلاف . وقد روى أبو داود ، عن { حكيم بن معاوية القشيري ، عن أبيه ، قال : قلت : يا رسول الله ، ما حق زوجة أحدنا عليه ؟ قال : أن تطعمها إذا طعمت ، وتكسوها إذا اكتسيت ، ولا يقبح ، ولا يهجر إلا في البيت . } وروى عبد الله بن زمعة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ، ثم يضاجعها في آخر اليوم ولا يزيد في ضربها على عشرة أسواط ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا يجلد أحد فوق عشرة أسواط ، إلا في حد من حدود الله . } متفق عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية