صفحة جزء
( 5839 ) مسألة ; قال : ( وعن أبي عبد الله رحمه الله ، في السكران روايات ; رواية يقع الطلاق . ورواية لا يقع . ورواية يتوقف عن الجواب ، ويقول : قد اختلف فيه أصحاب رسول الله ) صلى الله عليه وسلم أما التوقف عن الجواب ، فليس بقول في المسألة ، إنما هو ترك للقول فيها ، وتوقف عنها ، لتعارض الأدلة فيها ، وإشكال دليلها . ويبقى في المسألة روايتان : إحداهما ، يقع طلاقه . اختارها أبو بكر الخلال ، والقاضي . وهو مذهب سعيد بن المسيب ، وعطاء ، ومجاهد ، والحسن ، وابن سيرين ، والشعبي ، والنخعي ، وميمون بن مهران ، والحكم ، ومالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي في أحد قوليه وابن شبرمة ، وأبي حنيفة ، وصاحبيه ، وسليمان بن حرب ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : كل الطلاق جائز ، إلا طلاق المعتوه . }

ومثل هذا عن علي ، ومعاوية ، وابن عباس ، قال ابن عباس : طلاق السكران جائز ، إن ركب معصية من معاصي الله نفعه ذلك ، ولأن الصحابة جعلوه كالصاحي في الحد بالقذف ; بدليل ما روى أبو وبرة الكلبي ، قال : أرسلني خالد إلى عمر ، فأتيته في المسجد ، ومعه عثمان ، وعلي ، وعبد الرحمن وطلحة ، والزبير ، فقلت : إن خالدا يقول : إن الناس انهمكوا في الخمر ، وتحاقروا العقوبة . فقال عمر : هؤلاء عندك فسلهم . فقال علي : نراه إذا سكر هذى ، وإذا هذى افترى ، وعلى المفتري ثمانون . فقال عمر : أبلغ صاحبك ما قال . فجعلوه كالصاحي ، ولأنه إيقاع للطلاق من مكلف غير مكره صادف ملكه ، فوجب أن يقع ، كطلاق الصاحي ، ويدل على تكليفه أنه يقتل بالقتل ، ويقطع بالسرقة ، وبهذا فارق المجنون .

والرواية الثانية ، لا يقع طلاقه . اختارها أبو بكر عبد العزيز . وهو قول عثمان رضي الله عنه . ومذهب عمر بن عبد العزيز ، والقاسم ، وطاوس ، وربيعة ، ويحيى الأنصاري ، والليث ، والعنبري ، وإسحاق ، وأبي ثور ، والمزني . قال ابن المنذر : هذا ثابت عن عثمان ، ولا نعلم أحدا من الصحابة خالفه . وقال أحمد : حديث عثمان أرفع شيء فيه ، وهو أصح . يعني من حديث علي ، وحديث الأعمش ، منصور لا يرفعه إلى علي . ولأنه زائل العقل ، أشبه المجنون ، والنائم ، ولأنه مفقود الإرادة ، أشبه المكره ، ولأن العقل شرط للتكليف ; إذ هو عبارة عن الخطاب بأمر أو نهي ، ولا يتوجه ذلك إلى من لا يفهمه ، ولا فرق بين زوال الشرط بمعصية أو غيرها ; بدليل أن من كسر ساقيه جاز له [ ص: 290 ] أن يصلي قاعدا ، ولو ضربت المرأة بطنها ، فنفست ، سقطت عنها الصلاة ، ولو ضرب رأسه فجن ، سقط التكليف . وحديث أبي هريرة لا يثبت ، وأما قتله وسرقته ، فهو كمسألتنا .

( 5840 ) فصل : والحكم في عتقه ، ونذره ، وبيعه ، وشرائه ، وردته ، وإقراره ، وقتله ، وقذفه ، وسرقته ، كالحكم في طلاقه ; لأن المعنى في الجميع واحد . وقد روي عن أحمد في بيعه وشرائه الروايات الثلاث . وسأله ابن منصور : إذا طلق السكران ، أو سرق ، أو زنى ، أو افترى ، أو اشترى ، أو باع فقال : أجبن عنه ، لا يصح من أمر السكران شيء . وقال أبو عبد الله بن حامد : حكم السكران حكم الصاحي فيما له وفيما عليه ; فأما فيما له وعليه ، كالبيع ، والنكاح ، والمعاوضات ، فهو كالمجنون ، لا يصح له شيء . وقد أومأ إليه أحمد ، والأولى أن ماله أيضا لا يصح منه ; لأن تصحيح تصرفاته فيما عليه مؤاخذة له ، وليس من المؤاخذة تصحيح تصرف له .

التالي السابق


الخدمات العلمية