صفحة جزء
( 5952 ) فصل : وهذه الحروف إذا تقدم جزاؤها عليها ، لم تحتج إلى حرف في الجزاء ، كقوله : أنت طالق إن دخلت الدار . وإن تأخر جزاؤها ، احتاجت في الجزاء إلى حرف الفاء إذا كان جملة من مبتدإ وخبر ، كقوله : إن دخلت الدار فأنت طالق . وإنما اختصت بالفاء لأنها للتعقيب ، فتربط بين الجزاء وشرطه ، وتدل على تعقيبه به . فإن قال : إن دخلت الدار أنت طالق . لم تطلق حتى تدخل . وبه قال بعض الشافعية ، وقال محمد بن الحسن : تطلق في الحال ; لأنه لم يعلقه بدخول الدار ، لأنه إنما يعلق بالفاء ، وهذه لا فاء فيها ، فيكون كلاما مستأنفا غير معلق بشرط ، فيثبت حكمه في الحال .

ولنا ، أنه أتي بحرف الشرط ، فيدل ذلك على أنه أراد التعليق به ، وإنما حذف الفاء وهي مرادة ، كما يحذف المبتدأ تارة ، ويحذف الخبر أخرى ، لدلالة باقي الكلام على المحذوف ، ويجوز أن يكون حذف الفاء على التقديم والتأخير ، فكأنه أراد : أنت طالق إن دخلت الدار . فقدم الشرط ، ومراده التأخير ، ومهما أمكن حمل كلام العاقل على فائدة ، وتصحيحه عن الفساد ، وجب ، وفيما ذكرنا تصحيحه ، وفيما ذكروه إلغاؤه . وإن قال : أردت الإيقاع في الحال . وقع [ ص: 344 ] لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ .

وإن قال : أنت طالق وإن دخلت الدار . وقع الطلاق في الحال ; لأن معناه أنت طالق في كل حال ، ولا يمنع من ذلك دخولك الدار ، كقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من قال : لا إله إلا الله دخل الجنة ، وإن زنى ، وإن سرق " . وقال : " صلهم وإن قطعوك ، وأعطهم وإن حرموك " . وإن قال : أردت الشرط ، دين . وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين . فإذا قال : إن دخلت الدار فأنت طالق وإن دخلت الأخرى . فمتى دخلت الأولى طلقت ، سواء دخلت الأخرى أو لم تدخل ، ولا تطلق بدخول الأخرى . وقال ابن الصباغ : تطلق بدخول كل واحدة منهما . وقد ذكرنا أن مقتضي اللغة ما قلناه .

وإن قال : أردت جعل الثاني شرطا لطلاقها أيضا . طلقت بكل واحد منهما ; لأنه يقر على نفسه بما هو أغلظ . وإن قال : أردت أن دخول الثانية شرط لطلاق الثانية ، فهو على ما أراده . وإن قال : أنت طالق إن دخلت الدار وإن دخلت الأخرى . طلقت بدخول إحداهما ; لأنه عطف شرطا على شرط . فإن قال : أردت أن دخول الثانية يمنع وقوع الطلاق . قبل منه ; لأنه محتمل ، وطلقت بدخول الأولى وحدها . وإن قال : إن دخلت الدار وإن دخلت هذه الأخرى فأنت طالق . فقد قيل : لا تطلق إلا بدخولهما ; لأنه جعل طلاقها جزاء لهذين الشرطين .

ويحتمل أن تطلق بأحدهما أيهما كان ; لأنه ذكر شرطين بحرفين ، فيقتضي كل واحد منهما جزاء ، فترك ذكر جزاء الأول ، وكان الجزاء الآخر دالا عليه ، كما لو قال : ضربت وضربني زيد . قال الفرزدق :

ولكن نصفا لو سببت وسبني بنو عبد شمس من قريش ، وهاشم

والتقدير سبني هؤلاء وسببتهم . وقال الله تعالى : { عن اليمين وعن الشمال قعيد } . أي عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد . وإن قال : إن دخلت الدار وأنت طالق طلقت ; لأن الواو ليست للجزاء ، وقد تكون للابتداء . فإن قال : أردت بها الجزاء . أو قال : أردت أن أجعل دخولها في حال كونها طالقا شرطا لشيء ، ثم أمسكت . دين .

وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين . وإن جعل لهذا جزاء ، فقال : إن دخلت الدار وأنت طالق فعبدي حر . صح ، ولم يعتق العبد حتى تدخل الدار . وهي طالق ; لأن الواو هاهنا للحال ، كقول الله تعالى : { لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم } . وقوله : { فقد رأيتموه وأنتم تنظرون } . ولو قال : أنت طالق إن دخلت الدار طالقا . فدخلت وهي طالق ، طلقت أخرى ، وإن دخلتها غير طالق ، لم تطلق ; لأن هذا حال ، فجرى مجرى قوله : أنت طالق إن دخلت الدار راكبة . وإن قال : أنت طالق لو قمت . كان ذلك شرطا بمنزلة قوله : إن قمت .

وهذا يحكى عن أبي يوسف ، ولأنها لو لم تكن للشرط كانت لغوا ، والأصل اعتبار كلام المكلف . وقيل : يقع الطلاق في الحال . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي ; لأنها بعد الإثبات تستعمل لغير المنع ، كقوله تعالى : { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم } ، { ورأوا العذاب لو أنهم كانوا يهتدون } . وإن قال : أردت أن أجعل [ ص: 345 ] لها جوابا . دين . وهل يقبل في الحكم ؟ يخرج على روايتين .

التالي السابق


الخدمات العلمية