صفحة جزء
( 5975 ) فصل : فإن قال : أنت طالق إن شئت . أو : إذا شئت . أو : متى شئت . أو : كلما شئت . أو : كيف شئت . أو : حيث شئت . أو : أنى شئت . لم تطلق حتى تشاء ، وتنطق بالمشيئة بلسانها ، فتقول : قد شئت . لأن ما في القلب لا يعلم حتى يعبر عنه اللسان ، فتعلق الحكم بما ينطق به ، دون ما في القلب ، فلو شاءت بقلبها دون نطقها ، لم يقع طلاق ، ولو قالت : قد شئت . بلسانها وهي كارهة ، لوقع الطلاق ، اعتبارا بالنطق . وكذلك إن علق الطلاق بمشيئة غيرها . ومتى وجدت المشيئة باللسان ، وقع الطلاق ، سواء كان على الفور أو التراخي .

نص عليه أحمد ، في تعليق الطلاق بمشيئة فلان ، وفيما إذا قال : أنت طالق حيث شئت . أو : أنى شئت . ونحو هذا قال الزهري ، وقتادة . وقال أبو حنيفة دون صاحبيه : إذا قال : أنت طالق كيف شئت . تطلق في الحال طلقة رجعية ; لأن هذا ليس بشرط ، وإنما هو صفة للطلاق الواقع بمشيئتها . ولنا ، أنه أضاف الطلاق إلى مشيئتها ، فأشبه ما لو قال : حيث شئت . وقال الشافعي في جميع الحروف : إن شاءت في الحال ، وإلا فلا تطلق ; لأن هذا تمليك للطلاق ، فكان على الفور ، كقوله : اختاري . وقال أصحاب الرأي في " إن " كقوله ، وفي سائر الحروف كقولنا ; لأن هذه الحروف صريحة في التراخي ، فحملت على مقتضاها ، بخلاف " إن " ، فإنها لا تقتضي زمانا ، وإنما هي لمجرد الشرط فتقيد ، بالفور بقضية التمليك . وقال الحسن ، وعطاء : إذا قال : أنت طالق إن شئت . إنما ذلك لها ما داما في مجلسهما .

ولنا ، أنه تعليق للطلاق على شرط ، فكان على التراخي ، كسائر التعليق ، ولأنه إزالة ملك معلق على المشيئة ، [ ص: 356 ] فكان على التراخي كالعتق ، وفارق : اختاري . فإنه ليس بشرط ، إنما هو تخيير ، فتقيد بالمجلس ، كخيار المجلس . وإن مات من له المشيئة ، أو جن ، لم يقع الطلاق ; لأن شرط الطلاق لم يوجد . وحكي عن أبي بكر ، أنه يقع . وليس بصحيح ; لأن الطلاق المعلق على شرط لا يقع إذا تعذر شرطه ، كما لو قال : أنت طالق إن دخلت الدار ، وإن شاء . وهو مجنون ، لم يقع طلاقه ; لأنه لا حكم لكلامه . وإن شاء ، وهو سكران . فالصحيح أنه لا يقع ; لأنه زائل العقل ، فهو كالمجنون .

وقال أصحابنا : يخرج على الروايتين في طلاقه ، والفرق بينهما أن إيقاع طلاقه تغليظ عليه ، كي لا تكون المعصية سببا للتخفيف عنه ، وهاهنا إنما يقع الطلاق بغيره ، فلا يصح منه في حال زوال عقله ، وإن شاء ، وهو طفل ، لم يقع ; لأنه كالمجنون . وإن كان يعقل الطلاق ، وقع ; لأن له مشيئة ، ولذلك صح اختياره لأحد أبويه . وإن كان أخرس ، فشاء بالإشارة ، وقع الطلاق ; لأن إشارته تقوم مقام نطق الناطق ، ولذلك وقع طلاقه بها ، وإن كان ناطقا حال التعليق ، فخرس ، ففيه وجهان ; أحدهما ، يقع الطلاق بها ; لأن طلاقه في نفسه يقع بها ، فكذلك طلاق من علقه بمشيئة . والثاني ، لا يقع بها ; لأنه حال التعليق ، كان لا يقع إلا بالنطق ، فلم يقع بغيره ، كما لو قال في التعليق : إن نطق فلان بمشيئته فهي طالق .

التالي السابق


الخدمات العلمية