صفحة جزء
( 5981 ) فصل : فإن قال : أنت طالق إن شاء الله تعالى . طلقت . وكذلك إن قال : عبدي حر إن شاء الله تعالى . عتق ، نص عليه أحمد ، في رواية جماعة ، وقال : ليس هما من الأيمان . وبهذا قال سعيد بن المسيب ، [ ص: 358 ] والحسن ومكحول ، وقتادة ، والزهري ، ومالك ، والليث ، والأوزاعي ، وأبو عبيد . وعن أحمد ما يدل على أن الطلاق لا يقع ، وكذلك العتاق . وهو قول طاوس ، والحكم ، وأبي حنيفة ، والشافعي لأنه علقه على مشيئة لم يعلم وجودها ، فلم يقع ، كما لو علقه على مشيئة زيد ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حلف على يمين ، فقال : إن شاء الله . لم يحنث } . رواه الترمذي . وقال حديث حسن .

ولنا ، ما روى أبو جمرة ، قال : سمعت ابن عباس يقول : إذا قال الرجل لامرأته : أنت طالق إن شاء الله . فهي طالق . رواه أبو حفص بإسناده . وعن أبي بردة نحوه . وروى ابن عمر ، وأبو سعيد قالا : كنا معاشر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نرى الاستثناء جائزا في كل شيء ، إلا في العتاق والطلاق . ذكره أبو الخطاب . وهذا نقل للإجماع ، وإن قدر أنه قول بعضهم فانتشر ، ولم يعلم له مخالف ، فهو إجماع ، ولأنه استثناء يرفع جملة الطلاق ، فلم يصح ، كقوله : أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا . ولأنه استثناء حكم في محل ، فلم يرتفع بالمشيئة ، كالبيع والنكاح ، ولأنه إزالة ملك ، فلم يصح تعليقه على مشيئة الله ، كما لو قال : أبرأتك إن شاء الله ، أو تعليق على ما لا سبيل إلى علمه ، فأشبه تعليقه على المستحيلات .

والحديث لا حجة لهم فيه ; فإن الطلاق والعتاق إنشاء ، وليس بيمين حقيقة ، وإن سمي بذلك فمجاز ، لا تترك الحقيقة من أجله ، ثم إن الطلاق إنما سمي يمينا إذا كان معلقا على شرط يمكن تركه وفعله ، ومجرد قوله : أنت طالق . ليس بيمين حقيقة ، ولا مجازا ، فلم يمكن الاستثناء بعد يمين . وقولهم : علقه على مشيئة لا تعلم . قلنا : قد علمت مشيئة الله الطلاق بمباشرة الآدمي سببه . قال قتادة : قد شاء الله حين أذن أن يطلق . ولو سلمنا أنها لم ، تعلم ، لكن قد علقه على شرط يستحيل علمه ، فيكون كتعليقه على المستحيلات ، يلغو ، ويقع الطلاق في الحال .

التالي السابق


الخدمات العلمية