صفحة جزء
( 6141 ) فصل : وإن كان الإيلاء بتعليق عتق أو طلاق ، وقع بنفس الوطء ; لأنه معلق بصفة ، وقد وجدت . وإن كان على نذر ، أو عتق ، أو صوم ، أو صلاة ، أو صدقة ، أو حج ، أو غير ذلك من الطاعات أو المباحات ، فهو مخير بين الوفاء به وبين كفارة يمين ; لأنه نذر لجاج وغضب ، فهذا حكمه . وإن علق طلاقها الثلاث بوطئها ، لم يؤمر بالفيئة ، وأمر بالطلاق ; لأن الوطء غير ممكن ; لكونها تبين منه بإيلاج الحشفة ، فيصير مستمتعا بأجنبية . وهذا قول بعض أصحاب الشافعي . وأكثرهم قالوا : تجوز الفيئة ; لأن النزع ترك للوطء ، وترك الوطء ليس [ ص: 433 ] بوطء . وقد ذكر القاضي أن كلام أحمد يقتضي روايتين ، كهذين الوجهين .

واللائق بمذهب أحمد تحريمه ; لوجوه ثلاثة : أحدها أن آخر الوطء حصل في أجنبية كما ذكرنا ; فإن النزع يلتذ به كما يلتذ بالإيلاج ، فيكون في حكم الوطء ، ولذلك قلنا في من طلع عليه الفجر وهو مجامع ، فنزع : أنه يفطر . والتحريم هاهنا أولى ; لأن الفطر بالوطء . ويمكن منع كون النزع وطئا ، والمحرم هاهنا الاستمتاع ، والنزع استمتاع ، فكان محرما ، ولأن لمسها على وجه التلذذ بها محرم ، فلمس الفرج بالفرج أولى بالتحريم . فإن قيل : فهذا إنما يحصل ضرورة ترك الوطء المحرم . قلنا : فإذا لم يمكن الوطء إلا بفعل محرم حرم ضرورة ترك الحرام .

كما لو اختلط لحم الخنزير بلحم مباح ، لا يمكنه أكله إلا بأكل لحم الخنزير ، حرم ، ولو اشتبهت ميتة بمذكاة ، أو امرأته بأجنبية ، حرم الكل . الوجه الثاني ، أنه بالوطء يحصل الطلاق بعد الإصابة ، وهو طلاق بدعة ، وكما يحرم إيقاعه بلسانه ، يحرم تحقيق سببه . الثالث ، أن يقع به طلاق البدعة من وجه آخر ، وهو جمع الثلاث ، فإن وطئ فعليه أن ينزع حين يولج الحشفة ، ولا يزيد على ذلك ، ولا يلبث ولا يتحرك عند النزع ; لأنها أجنبية ، فإذا فعل ذلك ، فلا حد ولا مهر ; لأنه تارك للوطء ، وإن لبث أو تمم الإيلاج ، فلا حد عليه ، لتمكن الشبهة منه ، لكونه وطئا بعضه في زوجته ، وفي المهر وجهان : أحدهما - يلزمه ; لأنه حصل منه وطء محرم في محل غير مملوك ، فأوجب المهر ، كما لو أولج بعد النزع .

والثاني - لا يجب ; لأنه تابع الإيلاج في محل مملوك ، فكان تابعا له في سقوط المهر . وإن نزع ، ثم أولج ، وكانا جاهلين بالتحريم ، فلا حد عليهما ، وعليه المهر لها ، ويلحقه النسب . وإن كانا عالمين بالتحريم ، فعليهما الحد ; لأنه إيلاج في أجنبية بغير شبهة ، فأشبه ما لو طلقها ثلاثا ، ثم وطئها ، ولا مهر لها ; لأنها مطاوعة على الزنا ، ولا يلحقه النسب ; لأنه من زنا لا شبهة فيه . وذكر القاضي وجها ، أنه لا حد عليهما ; لأن هذا مما يخفى على كثير من الناس ، وهو وجه لأصحاب الشافعي . والصحيح الأول ; لأن الكلام في العالمين ، وليس هو في مظنة الخفاء ; فإن أكثر المسلمين يعلمون أن الطلاق الثلاث محرم للمرأة .

وإن كان أحدهما عالما ، والآخر جاهلا ، نظرت ; فإن كان هو العالم ، فعليه الحد ، ولها المهر ، ولا يلحقه النسب ; لأنه زان محدود . وإن كانت هي العالمة دونه ، فعليها الحد وحدها ، ولا مهر لها ، والنسب لاحق بالزوج ، لأن وطأه وطء شبهة .

التالي السابق


الخدمات العلمية