صفحة جزء
( 6203 ) مسألة قال : { فمن لم يجد ، فصيام شهرين متتابعين } أجمع أهل العلم على أن المظاهر إذا لم يجد رقبة ، أن فرضه صيام شهرين متتابعين ; وذلك لقول الله تعالى : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا } . وحديث أوس بن الصامت ، وسلمة بن صخر . وأجمعوا على أن من وجد رقبة فاضلة عن حاجته ، فليس له الانتقال إلى الصيام ، وإن كانت له رقبة يحتاج إلى خدمتها لزمن ، أو كبر ، أو مرض ، أو عظم خلق ، ونحوه مما يعجزه عن خدمة نفسه ، أو يكون ممن لا يخدم نفسه في العادة ، ولا يجد رقبة فاضلة عن خدمته ، فليس عليه الإعتاق . وبهذا قال الشافعي .

وقال أبو حنيفة ، ومالك ، والأوزاعي : متى وجد رقبة ، لزمه إعتاقها ، ولم يجز له الانتقال إلى الصيام ، سواء كان محتاجا إليها ، أو لم يكن ; لأن الله تعالى شرط في الانتقال إلى الصيام أن لا يجد رقبة ، بقوله : { فمن لم يجد } . وهذا واجد . وإن وجد ثمنها ، وهو محتاج إليه ، لم يلزمه شراؤها . وبه قال أبو حنيفة . وقال مالك : يلزمه ; لأن وجدان ثمنها كوجدانها . ولنا أن ما استغرقته حاجة الإنسان ، فهو كالمعدوم ، في جواز الانتقال إلى البدل ، كمن وجد ماء يحتاج إليه للعطش ، يجوز له الانتقال إلى التيمم . وإن كان له خادم ، وهو ممن يخدم نفسه عادة ، لزمه إعتاقها ; لأنه فاضل عن حاجته .

بخلاف من لم تجر عادته بخدمة نفسه ، فإن عليه مشقة في إعتاق خادمه ، وتضييعا لكثير من حوائجه . وإن كان له خادم يخدم امرأته ، وهي ممن عليه إخدامها ، أو كان له رقيق يتقوت بخراجهم ، أو دار يسكنها ، أو عقار يحتاج إلى غلته لمؤنته ، أو عرض للتجارة لا يستغني عن ربحه في مؤنته ، لم يلزمه العتق . وإن استغنى عن شيء من ذلك مما يمكنه أن يشتري به رقبة ، لزمه ; لأنه واجد للرقبة . وإن كانت له رقبة تخدمه ، يمكنه بيعها وشراء رقبتين بثمنها ، يستغني بخدمة إحداهما ، ويعتق الأخرى ، لزمه ; لأنه لا ضرر في ذلك . وهكذا لو كانت له ثياب فاخرة ، تزيد على ملابس مثله ، يمكنه بيعها ، وشراء ما يكفيه في لباسه ورقبة ، لزمه ذلك .

وإن كانت له دار ، يمكنه بيعها ، وشراء ما يكفيه لسكنى مثله ورقبة ، أو ضيعة يفضل منها عن كفايته ما يمكنه شراء رقبة ، لزمه . ويراعى في ذلك الكفاية التي يحرم معها أخذ الزكاة ، فإذا فضل عن ذلك شيء ، وجبت فيه الكفارة . ومذهب الشافعي في هذا الفصل جميعه على نحو مما قلنا . وإن كانت له سرية ، لم يلزمه إعتاقها ; لأنه يحتاج إليها . وإن أمكنه بيعها ، وشراء سرية أخرى ، ورقبة يعتقها ، لم يلزمه ذلك ; لأن الفرض قد يتعلق بعينها ، فلا يقوم غيرها مقامها ، سيما إذا كان بدون ثمنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية