صفحة جزء
( 6216 ) فصل : ولا تجزئ القيمة في الكفارة . نقلها الميموني ، والأثرم . وهو مذهب الشافعي وخرج بعض أصحابنا من كلام أحمد ، رواية أخرى ، أنه يجزئه . وهو ما روى الأثرم ، أن رجلا سأل أحمد ، قال أعطيت في كفارة خمسة دوانيق ؟ فقال : لو استشرتني قبل أن تعطي لم أشر عليك ، ولكن أعط ما بقي من الأثمان على ما قلت لك . وسكت عن الذي أعطى . وهذا ليس برواية ، وإنما سكت عن الذي أعطى ; [ لأنه ] مختلف فيه ، فلم ير التضييق عليه فيه .

الأمر الثالث ، أن مستحق الكفارة هم المساكين الذين يعطون من الزكاة ، لقول الله تعالى : { إطعام ستين مسكينا } . والفقراء يدخلون فيهم ; لأن فيهم المسكنة وزيادة ، ولا خلاف في هذا . فأما الأغنياء فلا [ ص: 29 ] حق لهم في الكفارة ، سواء كانوا من أصناف الزكاة ، كالغزاة والمؤلفة ، أو لم يكونوا ، لأن الله تعالى خص بها المساكين ، واختلف أصحابنا في المكاتب ; فقال القاضي في ( المجرد ) ، وأبو الخطاب ، في ( الهداية ) : لا يجوز دفعها إليه . وهو مذهب الشافعي . وقال الشريف أبو جعفر ، وأبو الخطاب ، في ( مسائلهما ) : يجوز الدفع إليه . وهو مذهب أبي حنيفة ، وأبي ثور ; لأنه يأخذ من الزكاة لحاجته ، فأشبه المسكين .

ووجه الأولى أن الله تعالى خص بها المساكين ، والمكاتبون صنف آخر ، فلم يجز الدفع إليهم ، كالغزاة والمؤلفة ، ولأن الكفارة قدرت بقوت يوم لكل مسكين ، وصرفت إلى من يحتاج إليها للاقتيات ، والمكاتب لا يأخذ لذلك ، فلا يكون في معنى المسكين . ويفارق الزكاة ، فإن الأغنياء يأخذون منها ، وهم الغزاة ، والعاملون عليها ، والمؤلفة ، والغارمون ، ولأنه غني بكسبه أو بسيده ، فأشبه العامل . ولا خلاف بينهم في أنه لا يجوز دفعها إلى عبد ; لأن نفقته واجبة على سيده ، وليس هو من أصناف الزكاة ، ولا إلى أم ولد ; لأنها أمة نفقتها على سيدها ، وكسبها له ، ولا إلى من تلزمه نفقته . وقد ذكرنا ذلك في الزكاة ، وفي دفعها إلى الزوج وجهان ; بناء على دفع الزكاة إليه . ولا يجوز دفعها إلى كافر . وبهذا قال الشافعي .

وخرج أبو الخطاب وجها في إعطائهم ، بناء على الرواية في إعتاقهم . وهو قول أبي ثور ، وأصحاب الرأي ; لأن الله تعالى قال : { إطعام عشرة مساكين } . وأطلق فيدخلون في الإطلاق . ولنا أنه كافر ، فلم يجز الدفع إليه ، كمساكين أهل الحرب ، وقد سلمه أصحاب الرأي ، والآية مخصوصة بأهل الحرب ، فنقيس عليهم سائر الكفار ، ويجوز صرفها إلى الكبير ، والصغير ، إن كان ممن يأكل الطعام . وإذا أراد صرفه إلى الصغير ، فإنه يدفعه إلى وليه ، يقبض له ; فإن الصغير لا يصح منه القبض . فأما من لا يأكل الطعام ، فظاهر كلام الخرقي أنه لا يجوز الدفع إليه ; لأنه لا يأكله ، فيكون بمنزلة دفع القيمة . وقال أبو الخطاب : يجزئ ; لأنه مسكين يدفع إليه من الزكاة ، فأشبه الكبير .

وإذا قلنا : يجوز الدفع إلى المكاتب ، جاز للسيد الدفع من كفارته إلى مكاتبه ; لأنه يجوز أن يدفع إليه من زكاته ( 6217 ) فصل : ويجوز دفع الكفارة إلى من ظاهره الفقر ، فإن بان غنيا ، فهل تجزئه ؟ فيه وجهان ; بناء على الروايتين في الزكاة . وإن بان كافرا ، أو عبدا ، لم يجزئه ، وجها واحدا .

التالي السابق


الخدمات العلمية