صفحة جزء
( 6221 ) مسألة قال : وإذا كان المظاهر عبدا ، لم يكفر إلا بالصيام ، وإذا صام ، فلا يجزئه إلا شهران متتابعان قد ذكرنا أن ظهار العبد صحيح وكفارته بالصيام ; لأن الله تعالى قال : { فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين } . والعبد لا يستطيع الإعتاق ، فهو كالحر المعسر ، وأسوأ منه حالا ، وظاهر كلام الخرقي أنه لا يجزئه غير الصيام ، سواء أذن له سيده في التكفير بالعتق ، أو لم يأذن .

وحكي هذا عن الحسن ، وأبي حنيفة ، والشافعي . وعن أحمد ، رواية أخرى ، إن أذن له سيده في التكفير بالمال جاز . وهو مذهب الأوزاعي ، وأبي ثور ; لأنه بإذن سيده يصير قادرا على التكفير بالمال ، فجاز له ذلك ، كالحر . وعلى هذه الرواية ، يجوز له التكفير بالإطعام عند العجز عن الصيام . وهل له العتق ؟ على روايتين ; إحداهما ، لا يجوز . وحكي هذا عن مالك ، وقال : أرجو أن يجزئه الإطعام . وأنكر ذلك ابن القاسم صاحبه ، وقال : لا يجزئه إلا الصيام ; وذلك لأن العتق يقتضي الولاء ، والولاية ، والإرث ، وليس ذلك للعبد . والرواية الثانية ، له العتق . وهو قول الأوزاعي .

واختارها أبو بكر ; لأن من صح تكفيره بالإطعام ، صح بالعتق ، ولا يمتنع صحة العتق مع انتفاء الإرث . كما لو أعتق من يخالفه في دينه ، ولأن المقصود بالعتق إسقاط الملكية عن العبد ، وتمليكه نفع نفسه ، وخلوصه من ضرر الرق ، وما يحصل من توابع ذلك ليس هو المقصود ، فلا يمنع من صحته ما يحصل منه المقصود ، لامتناع بعض توابعه . ووجه الأولى ، أن العبد مال ، لا يملك المال ، فيقع تكفيره بالمال بمال غيره ، فلم يجزئه ، كما لو أعتق عبد غيره عن كفارته . وعلى كلتا الروايتين ، لا يلزمه التكفير بالمال ، وإن أذن له سيده فيه ; لأن فرضه الصيام ، فلم يلزمه غيره ، كما لو أذن موسر لحر معسر في التكفير من ماله .

وإن كان عاجزا عن الصيام ، فأذن له سيده في التكفير بما شاء من [ ص: 32 ] العتق والإطعام ، فإن له التكفير بالإطعام ; لأن من لا يلزمه الإعتاق مع قدرته على الصيام ، لا يلزمه مع عجزه عنه ، كالحر المعسر ، ولأن عليه ضررا في التزام المنة الكبيرة في قبول الرقبة ، ولا يلزم مثل ذلك في الطعام ; لقلة المنة فيه . وهذا فيما إذا أذن له سيده في التكفير قبل العود ، فإن عاد وجبت الكفارة في ذمته ، ثم أذن له سيده في التكفير ، انبني مع ذلك على أصل آخر ، وهو أن التكفير هل هو معتبر بحالة الوجوب ، أو بأغلظ الأحوال ؟ وسنذكر ذلك - إن شاء الله تعالى - . وعلى كل حال ، فإذا صام ، لا يجزئه إلا شهران متتابعان ; لدخوله في عموم قوله تعالى : { فصيام شهرين متتابعين } . ولأنه صوم في كفارة فاستوى فيه الحر والعبد ، ككفارة اليمين .

وبهذا قال الحسن ، والشعبي ، والنخعي ، والزهري ، والشافعي ، وإسحاق . ولا نعلم لهم مخالفا ، إلا ما روي عن عطاء ، أنه : لو صام شهرا ، أجزأه . وقاله النخعي ، ثم رجع عنه إلى قول الجماعة .

التالي السابق


الخدمات العلمية