صفحة جزء
( 649 ) مسألة : قال : ( وينوي بها المكتوبة ، يعني بالتكبيرة . ولا نعلم خلافا بين الأمة في وجوب النية للصلاة ، [ ص: 278 ] وأن الصلاة لا تنعقد إلا بها ) والأصل فيه قول الله تعالى : { وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين } . والإخلاص عمل القلب ، وهو النية ، وإرادة الله وحده دون غيره ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : { إنما الأعمال بالنيات ، ولكل امرئ ما نوى } . ومعنى النية القصد ، ومحلها القلب . وإن لفظ بما نواه ، كان تأكيدا . فإن كانت الصلاة مكتوبة ، لزمته نية الصلاة بعينها ; ظهرا ، أو عصرا ، أو غيرهما ، فيحتاج إلى نية شيئين ; الفعل ، والتعيين .

واختلف أصحابنا في نية الفرضية ; فقال بعضهم : لا يحتاج إليها ، لأن التعيين يغني عنها ; لكون الظهر مثلا لا يكون إلا فرضا من المكلف . وقال ابن حامد : لا بد من نية الفرضية ; لأن المعينة قد تكون نفلا ، كظهر الصبي والمعادة ، فيفتقر إلى ثلاثة أشياء ; الفعل ، والتعيين ، والفرضية . ويحتمل هذا كلام الخرقي ; لقوله : " ينوي بها المكتوبة " أي الواجبة المعينة . والألف واللام هنا للمعهود ، أي أنها المكتوبة الحاضرة .

وقال القاضي : ظاهر كلام الخرقي ، أنه لا يفتقر إلى التعيين ; لأنه إذا نوى المفروضة انصرفت النية إلى الحاضرة . والصحيح أنه لا بد من التعيين ، والألف واللام هنا للمعهود ، كما ذكرنا ، والحضور لا يكفي عن النية ; بدليل أنه لم يغن عن نية المكتوبة ، وقد يكون عليه صلوات ، فلا تتعين إحداهن بدون التعيين . فأما الفائتة ، فإن عينها بقلبه أنها ظهر اليوم ، لم يحتج إلى نية القضاء ، ولا الأداء ، بل لو نواها أداء ، فبان أن وقتها قد خرج وقعت قضاء من غير نية .

ولو ظن أن الوقت قد خرج ، فنواها قضاء ، فبان أنها في وقتها ، وقعت أداء من غير نية ، كالأسير إذا تحرى وصام شهرا ، يريد به شهر رمضان ، فوافقه ، أو ما بعده ، أجزأه . وإن ظن أن عليه ظهرا فائتة ، فقضاها في وقت ظهر اليوم ، ثم تبين أنه لا قضاء عليه ، فهل يجزئه عن ظهر اليوم ؟ يحتمل وجهين : أحدهما ، يجزئه ; لأن الصلاة معينة ، وإنما أخطأ في نية الوقت ، فلم يؤثر ، كما إذا اعتقد أن الوقت قد خرج ، فبان أنه لم يخرج ، أو كما لو نوى ظهر أمس ، وعليه ظهر يوم قبله .

والثاني : لا يجزئه ; لأنه لم ينو عين الصلاة ، فأشبه ما لو نوى قضاء عصر ، لم يجزئه عن الظهر . ولو نوى ظهر اليوم في وقتها ، وعليه فائتة ، لم يجزئه عنها ، ويتخرج فيها كالتي قبلها . فأما إن كانت عليه فوائت ، فنوى صلاة غير معينة ، لم يجزئه عن واحدة منها ; لعدم التعيين . ولو نسي صلاة من يوم لا يعلم عينها ، لزمه خمس صلوات ; ليعلم أنه أدى الفائتة . ولو نسي صلاة لا يدري أظهر هي أم عصر ، لزمه صلاتان ، فإن صلى واحدة ينوي أنها الفائتة ، لم يجزئه ; لعدم التعيين .

( 650 ) فصل : فأما النافلة ، فتنقسم إلى معينة ، كصلاة الكسوف ، والاستسقاء ، والتراويح ، والوتر ، والسنن الرواتب ، فيفتقر إلى التعيين أيضا ، وإلى مطلقة ، كصلاة الليل ، فيجزئه نية الصلاة لا غير ; لعدم التعيين فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية