صفحة جزء
[ ص: 39 ] كتاب اللعان قال رحمه الله تعالى وهو مشتق من اللعن ; لأن كل واحد من الزوجين يلعن نفسه في الخامسة إن كان كاذبا . وقال القاضي : سمي بذلك لأن الزوجين لا ينفكان من أن يكون أحدهما كاذبا ، فتحصل اللعنة عليه ، وهي الطرد والإبعاد . والأصل فيه قول الله تعالى : { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآيات . وروى سهل بن سعد الساعدي ، { أن عويمرا العجلاني أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فيقتله فتقتلونه ، أم كيف يفعل ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك ، فاذهب فائت بها . قال سهل : فتلاعنا ، وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغا ، قال عويمر : كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها . فطلقها ثلاثا بحضرة رسول الله صلى الله عليه وسلم . } متفق عليه .

وروى أبو داود ، بإسناده عن { ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء هلال بن أمية ، وهو أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم ، فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه ، وسمع بأذنيه ، فلم يهجه حتى أصبح ، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، إني جئت أهلي ، فوجدت عندهم رجلا ، فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ، واشتد عليه ، فنزلت { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } الآيتين كلتيهما فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أبشر يا هلال ، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا قال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي تبارك وتعالى . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلوا إليها . فأرسلوا إليها ، فتلاها عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكرهما ، وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا . فقال هلال : والله لقد صدقت عليها . فقالت : كذب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لاعنوا بينهما . فقيل لهلال : اشهد . فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كانت الخامسة قيل : يا هلال اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فقال : والله لا يعذبني الله عليها ، كما لم يجلدني عليها . فشهد الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قيل لها : اشهدي . فشهدت أربع [ ص: 40 ] شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كانت الخامسة قيل لها : اتقي الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فتلكأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي . فشهدت الخامسة ، أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا بيت لها عليه ، ولا قوت ، من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها ، وقال : إن جاءت به أصيهب أريصح أثيبج حمش الساقين ، فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فهو للذي رميت به . فجاءت به أورق ، جعدا ، جماليا ، خدلج الساقين ، سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لولا الأيمان ، لكان لي ولها شأن . قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر ، وما يدعى لأب . ولأن الزوج يبتلى بقذف امرأته لينفي العار والنسب الفاسد ، وتتعذر عليه البينة ، فجعل اللعان بينة له ، ولهذا لما نزلت آية اللعان ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : أبشر يا هلال ، فقد جعل الله لك فرجا ومخرجا . }

التالي السابق


الخدمات العلمية