صفحة جزء
( 6267 ) مسألة قال : ( وإن قذفها ، وانتفى من ولدها ، وتم اللعان بينهما بتفريق الحاكم ، نفي عنه ، إذا ذكره في اللعان ) وجملة ذلك أن الزوج إذا ولدت امرأته ولدا يمكن كونه منه ، فهو ولده في الحكم ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الولد للفراش } . ولا ينتفي عنه إلا أن ينفيه باللعان التام ، الذي اجتمعت شروطه ، وهي أربعة : أحدها ، أن يوجد اللعان منهما جميعا . وهذا قول عامة أهل العلم . وقال الشافعي : ينتفي بلعان الزوج وحده ; لأن نفي الولد إنما كان بيمينه والتعانه ، لا بيمين المرأة على تكذيبه ، ولا معنى ليمين المرأة في نفي النسب ، وهي تثبته وتكذب قول من ينفيه ، وإنما لعانها لدرء الحد عنها ، كما قال الله تعالى : { ويدرءوا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين } .

ولنا أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نفى الولد عنه بعد تلاعنهما ، فلا يجوز النفي ببعضه ، كبعض لعان الزوج . والثاني : أن تكمل ألفاظ اللعان منهما جميعا . الشرط الثالث ، أن يبدأ بلعان الزوج قبل المرأة ، فإن بدأ بلعان المرأة لم يعتد به . وبه قال أبو ثور ، وابن المنذر . وقال مالك ، وأصحاب الرأي : إن فعل أخطأ السنة ، والفرقة جائزة ، وينتفي الولد عنه ; لأن الله تعالى عطف لعانها على لعانه بالواو ، وهي لا تقتضي ترتيبا ، ولأن اللعان قد وجد منهما جميعا ، فأشبه ما لو رتبت . وعند الشافعي ، لا يتم اللعان إلا بالترتيب ، إلا أنه يكفي عنده لعان الرجل وحده لنفي الولد ، وذلك حاصل مع إخلاله بالترتيب ، وعدم كمال ألفاظ اللعان من المرأة .

[ ص: 57 ] ولنا ، أنه أتى باللعان على غير ما ورد به القرآن والسنة ، فلم يصح ، كما لو اقتصر على لفظة واحدة ، ولأن لعان الرجل بينته لإثبات زناها ونفي ولدها ، ولعان المرأة للإنكار ، فقدمت بينة الإثبات ، كتقديم الشهود على الأيمان ، ولأن لعان المرأة لدرء العذاب عنها ، ولا يتوجه عليها ذلك إلا بلعان الرجل ، فإذا قدمت لعانها على لعانه ، فقد قدمته على وقته ، فلم يصح ، كما لو قدمته على القذف . الشرط الرابع : أن يذكر نفي الولد في اللعان ، فإذا لم يذكر ، لم ينتف ، إلا أن يعيد اللعان ويذكر نفيه . وهذا ظاهر كلام الخرقي ، واختيار القاضي ، ومذهب الشافعي وقال أبو بكر : ولا يحتاج إلى ذكر الولد ونفيه ، وينتفي بزوال الفراش ; ولأن حديث سهل بن سعد ، الذي وصف فيه اللعان ، لم يذكر فيه الولد ، وقال فيه : ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ، ولا يرمى ولدها . رواه أبو داود .

وفي حديث رواه مسلم ، عن عبد الله ، أن { رجلا لاعن امرأته على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ففرق النبي صلى الله عليه وسلم بينهما ، وألحق الولد بأمه } . ولنا ، أن من سقط حقه باللعان ، كان ذكره شرطا ، كالمرأة ، ولأن غاية ما في اللعان أن يثبت زناها ، وذلك لا يوجب نفي الولد ، كما لو أقرت به ، أو قامت به بينة ، فأما حديث سهل بن سعد ، فقد روي فيه : وكانت حاملا ، فأنكر حملها . من رواية البخاري . وروى ابن عمر أن { رجلا لاعن امرأته في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانتفى من ولدها ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وألحق الولد بالمرأة } . والزيادة من الثقة مقبولة .

فعلى هذا ، لا بد من ذكر الولد في كل لفظة ، ومع اللعن في الخامسة ; لأنها من لفظات اللعان . وذكر الخرقي شرطا خامسا ، وهو تفريق الحاكم بينهما . وهذا على الرواية التي تشترط تفريق الحاكم لوقوع الفرقة ، فأما على الرواية الأخرى ، فلا يشترط تفريق الحاكم لنفي الولد ، كما لا يشترط لدرء الحد عنه ، ولا لفسخ النكاح . وشرط أيضا شرطا سادسا ، وهو أن يكون قد قذفها . وهذا شرط اللعان ، فإنه لا يكون إلا بعد القذف ، وسنذكره إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية