صفحة جزء
( 6277 ) مسألة قال : ( ولو جاءت امرأته بولد ، فقال : لم تزن ، ولكن ليس هذا الولد مني . فهو ولده في الحكم ، ولا حد عليه لها ) وجملة ذلك أن المرأة إذا ولدت . فقال زوجها : ليس هذا الولد مني . أو قال ليس هذا ولدي . فلا حد عليه ; لأن هذا ليس بقذف بظاهره ، لاحتمال أنه يريد أنه من زوج آخر ، أو من وطء بشبهة ، أو غير ذلك ، ولكنه يسأل ، فإن قال : زنت ، فولدت هذا من الزنا . فهذا قذف يثبت به اللعان ، وإن قال : أردت أنه لا يشبهني خلقا ولا خلقا . فقالت : بل أردت قذفي . فالقول قوله ; لأنه أعلم بمراده ، لا سيما إذا صرح بقوله : لم تزن .

وإن قال : وطئت بشبهة ، والولد من الواطئ . فلا حد عليه أيضا ; لأنه لم يقذفها ، ولا قذف واطئها . وإن قال : أكرهت على الزنا . فلا حد أيضا ، لأنه لم يقذفها ، ولا لعان في هذه المواضع ; لأنه لم يقذفها ، ومن شرط اللعان القذف ، ويلحقه نسب الولد . وبهذا قال أبو حنيفة . وذكر القاضي أن في هذه الصورة الآخرة رواية أخرى ، أن له اللعان ; لأنه محتاج إلى نفي الولد ، بخلاف ما إذا قال : وطئت بشبهة . فإنه يمكن نفي النسب بعرض الولد على القافة ، فيستغنى بذلك عن اللعان . فلا يشرع ، كما لا يشرع لعان أمته ، لما أمكن نفي نسب ولدها بدعوى الاستبراء . وهذا مذهب الشافعي .

ولنا أن اللعان إنما ورد به الشرع بعد القذف ، في قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم } الآية . ولما لاعن النبي صلى الله عليه وسلم بين هلال وامرأته كان بعد قذفه إياها ، وكذلك لما لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته كان بعد قذفه إياها ، ولا يثبت الحكم إلا في مثله ، ولأن نفي اللعان إنما ينتفي به الولد بتمامه منهما ، ولا يتحقق اللعان من المرأة هاهنا . فأما إن قال : وطئك فلان بشبهة ، وأنت تعلمين الحال . فقد قذفها ، وله لعانها ، ونفي نسب ولدها ، وقال القاضي : ليس له نفيه باللعان .

وكذلك قال أصحاب الشافعي لأنه يمكنه نفي نسبه بعرضه على القافة ، فأشبه ما لو قال : واشتبه عليك أيضا . ولنا أنه رام لزوجته ، فيدخل في عموم قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } ولأنه رام لزوجته بالزنا ، فملك لعانها ونفى ولدها ، كما لو قال : زنى بك فلان . وما ذكروه لا يصح ; فإنه قد لا يوجد قافة ، وقد لا يعترف الرجل بما نسب إليه ، أو يغيب أو يموت ، فلا ينتفي الولد . وإن قال : ما ولدته وإنما التقطته أو استعرته فقالت : بل [ ص: 64 ] هو ولدي منك . لم يقبل قول المرأة إلا ببينة . وهذا قول الشافعي ، وأبي ثور وأصحاب الرأي ; لأن الولادة يمكن إقامة البينة عليها ، والأصل عدمها ، فلم تقبل دعواها من غير بينة ، كالدين .

قال القاضي : وكذلك لا تقبل دعواها للولادة ، فيما إذا علق طلاقها بها ، ولا دعوى الأمة لها لتصير بها أم ولد ، ويقبل قولها فيها لتقضي عدتها بها . فعلى هذا لا يلحقه الولد إلا أن تقيم بينة ، وهي امرأة مرضية ، تشهد بولادتها له فإذا ثبتت ولادتها له ، لحقه نسبه ; لأنه ولد على فراشه ، والولد للفراش . وذكر القاضي ، في موضع آخر ، أن القول قول المرأة ; لقول الله تعالى { : ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } . وتحريم كتمانه دليل على قبول قولها فيه ، ولأنه خارج من المرأة ، تنقضي به عدتها ، فقبل قولها فيه ، كالحيض ، ولأنه حكم يتعلق بالولادة ، فقبل قولها فيه ، كالحيض .

فعلى هذا ، النسب لاحق به ، وهل نفيه باللعان ؟ فيه وجهان أحدهما ، ليس له نفيه ; لأن إنكاره لولادتها إياه ، إقرار بأنها لم تلده من زنا ، فلا يقبل إنكاره لذلك ، لأنه تكذيب لنفسه . والثاني ، له نفيه ; لأنه رام لزوجته ، وناف لولدها ، فكان له نفيه باللعان ، كغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية