صفحة جزء
( 656 ) مسألة : قال : ( ويرفع يديه إلى فروع أذنيه ، أو إلى حذو منكبيه ) لا نعلم خلافا في استحباب رفع اليدين عند افتتاح الصلاة . وقال ابن المنذر : لا يختلف أهل العلم في أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة . وقد ذكرنا حديث أبي حميد وروى ابن عمر ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم { إذا افتتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، وإذا أراد أن يركع ، وبعدما يرفع رأسه من الركوع ، ولا يرفع بين السجدتين } . متفق عليه .

وهو مخير في رفعهما إلى فروع أذنيه أو حذو منكبيه ، ومعناه أن يبلغ بأطراف أصابعه ذلك الموضع ، وإنما خير لأن كلا الأمرين مروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فالرفع إلى حذو المنكبين ; في حديث أبي حميد وابن عمر ، رواه علي وأبو هريرة ، وهو قول الشافعي وإسحاق ، والرفع إلى حذو الأذنين . رواه وائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، رواه مسلم ، وقال به ناس من أهل العلم ، وميل أحمد إلي الأول أكثر ، قال الأثرم : قلت لأبي عبد الله : إلى أين يبلغ بالرفع ؟ قال : أما أنا فأذهب إلى المنكبين ; لحديث ابن عمر ، ومن ذهب إلى أن يرفع يديه إلى حذو أذنيه فحسن .

وذلك لأن رواة الأول أكثر وأقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وجوز الآخر لأن صحة روايته تدل على أنه كان يفعل هذا مرة وهذا مرة .

( 657 ) فصل : ويستحب أن يمد أصابعه وقت الرفع ، ويضم بعضها إلى بعض ; لما روى أبو هريرة { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل في الصلاة رفع يديه مدا } . وقال الشافعي : السنة أن يفرق أصابعه ; لما روي عن أبي هريرة { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان ينشر أصابعه للتكبير } . ولنا ، ما ذكرناه ، وحديثهم قال الترمذي : هذا خطأ ، والصحيح ما رويناه . ثم لو صح كان معناه مد أصابعه .

قال أحمد : أهل العربية قالوا : هذا الضم . وضم أصابعه . وهذا النشر . ومد أصابعه . وهذا التفريق . وفرق أصابعه . ولأن النشر لا يقتضي التفريق كنشر الثوب ، ولهذا يستعمل في الشيء الواحد ، ولا تفريق فيه .

( 658 ) فصل : ويبتدئ رفع يديه مع ابتداء التكبير ، ويكون انتهاؤه مع انقضاء تكبيره ، ولا يسبق أحدهما صاحبه ، فإذا انقضى التكبير حط يديه ، فإن نسي رفع اليدين حتى فرغ من التكبير ، لم يرفعهما ; لأنه سنة فات محلها .

وإن ذكره في أثناء التكبير رفع ; لأن محله باق . فإن لم يمكنه رفع يديه إلى المنكبين رفعهما قدر ما يمكنه . وإن أمكنه رفع إحداهما دون الأخرى رفعها ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { : إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم } وإن لم [ ص: 281 ] يمكنه رفعهما إلا بالزيادة على المسنون رفعهما ; لأنه يأتي بالسنة وزيادة مغلوب عليها . وقول الشافعي كقولنا في هذا الفصل جميعه .

( 659 ) فصل : وإن كانت يداه في ثوبه ، رفعهما بحيث يمكن ; لما روى وائل بن حجر ، قال { : أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في الشتاء ، فرأيت أصحابه يرفعون أيديهم في ثيابهم في الصلاة } . وفي رواية ، قال : ثم جئت في زمان فيه برد شديد فرأيت الناس عليهم جل الثياب ، تتحرك أيديهم تحت الثياب . رواهما أبو داود وفي رواية ; فرأيتهم يرفعون أيديهم إلى صدورهم .

( 660 ) فصل : والإمام والمأموم والمنفرد في هذا سواء ، وكذلك الفريضة والنافلة ، لأن الأخبار لا تفريق فيها .

فأما المرأة فذكر القاضي فيها روايتين عن أحمد إحداهما ، ترفع ; لما روى الخلال ، بإسناده عن أم الدرداء ، وحفصة بنت سيرين أنهما كانتا ترفعان أيديهما . وهو قول طاوس ، ولأن من شرع في حقه التكبير شرع في حقه الرفع كالرجل ، فعلى هذا ترفع قليلا . قال أحمد : رفع دون الرفع . والثانية : لا يشرع ; لأنه في معنى التجافي ، ولا يشرع ذلك لها ، بل تجمع نفسها في الركوع والسجود وسائر صلاتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية