صفحة جزء
( 663 ) مسألة : قال : ( ويقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك ) وجملته أن الاستفتاح من سنن الصلاة في قول أكثر أهل العلم ، وكان مالك لا يراه ، بل يكبر ويقرأ ; لما روى أنس ، قال : { كان النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر يفتتحون الصلاة بالحمد لله رب العالمين } . متفق عليه .

ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يستفتح بما سنذكره ، وعمل به الصحابة ، رضي الله عنهم ، وكان عمر يستفتح به في صلاته ، يجهر به ليسمعه الناس ، وعبد الله بن مسعود ، وحديث أنس أراد به القراءة ، كما جاء في حديث أبي هريرة { : إن الله تعالى قال : قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين } . وفسر ذلك بالفاتحة . وهذا مثل قول عائشة : { كان النبي صلى الله عليه وسلم يفتتح الصلاة بالتكبير ، والقراءة بالحمد لله رب العالمين } .

ويتعين حمله على هذا ; لأنه قد ثبت عن الذين روى عنهم أنس الاستفتاح بما ذكرناه . إذا ثبت هذا ، فإن أحمد ذهب إلى الاستفتاح بهذا الذي ذكره الخرقي ، وقال : لو أن رجلا استفتح ببعض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح ، كان حسنا . أو قال " جائزا " ، وكذا قول أكثر أهل العلم ; منهم عمر بن الخطاب ، وابن مسعود ، والثوري وإسحاق ، وأصحاب الرأي . قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم من التابعين ، وغيرهم .

وذهب الشافعي وابن المنذر ، إلى الاستفتاح بما قد روي عن علي ، قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قام إلى الصلاة كبر ، ثم قال : وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين ، إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين ، لا شريك له ، وبذلك أمرت ، وأنا أول المسلمين ، أنت الملك لا إله إلا أنت ، أنا عبدك ، ظلمت نفسي ، واعترفت بذنبي ، فاغفر لي ذنوبي جميعا ، لا يغفر الذنوب إلا أنت ، واهدني لأحسن الأخلاق ، لا يهدي لأحسنها إلا أنت ، واصرف عني سيئها ، لا يصرف عني سيئها إلا أنت ، لبيك وسعديك ، والخير كله في يديك ، والشر ليس إليك ، أنا بك وإليك ، تباركت ربنا وتعاليت ، أستغفرك وأتوب إليك } . رواه مسلم . وأبو داود ، والنسائي .

وروى أبو هريرة ، قال { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر في الصلاة أسكت إسكاتة . حسبته قال : هنيهة . بين التكبير والقراءة ، فقلت : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أرأيت إسكاتك بين التكبير والقراءة ، ما تقول ؟ قال : أقول : اللهم باعد بيني وبين خطاياي ، كما باعدت بين المشرق والمغرب ، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد } متفق عليه .

ولنا ، ما روت عائشة ، قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة ، قال : سبحانك اللهم ، وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك . } رواه أبو داود ، وابن ماجه والترمذي . وعن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله . رواه النسائي والترمذي . ورواه أنس ، وإسناد حديثه كلهم ثقات . رواه الدارقطني وعمل به السلف وكان عمر رضي الله عنه يستفتح به بين يدي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فروى الأسود ، أنه صلى خلف عمر ، فسمعه كبر ، [ ص: 283 ] فقال : سبحانك اللهم وبحمدك ، وتبارك اسمك ، وتعالى جدك ، ولا إله غيرك .

فلذلك اختاره أحمد ، وجوز الاستفتاح بغيره ، لكونه قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا أنه قال في حديث علي : بعضهم يقول في صلاة الليل . ولأن العمل به متروك ، فإنا لا نعلم أحدا يستفتح به كله ، وإنما يستفتحون بأوله .

( 664 ) فصل : قال أحمد : ولا يجهر الإمام بالافتتاح . وعليه عامة أهل العلم ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يجهر به ، وإنما جهر به عمر ، ليعلم الناس . وإذا نسي الاستفتاح ، أو تركه عمدا حتى شرع في الاستعاذة ، لم يعد إليه ; لأنه سنة فات محلها . وكذلك إن نسي التعوذ حتى شرع في القراءة ، لم يعد إليه لذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية