صفحة جزء
( 6355 ) فصل : وإن اختارت امرأة المفقود المقام والصبر حتى يتبين أمره ; فلها النفقة ما دام حيا ، وينفق عليها من ماله حتى يتبين أمره ; لأنها محكوم لها بالزوجية ، فتجب لها النفقة ، كما لو علمت حياته . فإذا تبين أنه كان حيا ، وقدم ، فلا كلام ، وإن تبين أنه مات ، أو فارقها ، فلها النفقة إلى يوم موته أو بينونتها منه ، ويرجع عليها بالباقي ; لأنا تبينا أنها أنفقت مال غيره ، أو أنفقت من ماله وهي غير زوجة له . وإن رفعت أمرها إلى الحاكم ، فضرب لها مدة ، فلها النفقة في مدة التربص ومدة العدة ; لأن مدة التربص لم يحكم فيه ببينونتها من زوجها ، فهي محبوسة عليه بحكم الزوجية ، فأشبه ما قبل المدة .

وأما مدة العدة ، فلأنها غير متيقنة ، بخلاف عدة الوفاة ، فإن موته متيقن ، وما بعد العدة إن تزوجت أو فرق الحاكم بينهما ، سقطت نفقتها ; لأنها أسقطتها بخروجها عن حكم نكاحه ، وإن لم تتزوج ولا فرق الحاكم بينهما ، فنفقتها باقية ; لأنها لم [ ص: 110 ] تخرج بعد من نكاحه . وإن قدم الزوج بعد ذلك ، وردت إليه ، عادت نفقتها من حين الرد . وقد روى الأثرم ، والجوزجاني ، عن ابن عمر ، وابن عباس ، قالا : تنتظر امرأة المفقود أربع سنين . قال ابن عمر : ينفق عليها من مال زوجها . وقال ابن عباس : إذا يجحف ذلك بالورثة ، ولكنها تستدين ، فإن جاء زوجها أخذت من ماله ، وإن مات أخذت من نصيبها من الميراث . وقالا : ينفق عليها بعد في العدة بعد الأربع سنين من مال زوجها جميعه ، أربعة أشهر وعشرا

وإن قلنا : ليس لها أن تتزوج . لم تسقط نفقتها ، ما لم تتزوج ، فإن تزوجت ، سقطت نفقتها ; لأنها بالتزويج تخرج عن يديه ، وتصير ناشزا ، وإن فرق بينهما ، فلا نفقة لها ما دامت في العدة ، فإذا انقضت ، فلم تعد إلى مسكن زوجها ، فلا نفقة لها أيضا ; لأنها باقية على النشوز . وإن عادت إلى مسكنه ، احتمل أن تعود النفقة ; لأن النشوز المسقط لنفقتها قد زال ، ويحتمل ألا تعود ; لأنها ما سلمت نفسها إليه . وإن عاد فتسلمها ، عادت نفقتها .

ومتى أنفق عليها ، ثم بان أن الزوج كان قد مات قبل ذلك ، حسب عليها ما أنفق عليها من حين موته من ميراثها ، فإن لم ترث شيئا ، فهو عليها ; لأنها أنفقت من مال الوارث ما لا تستحقه ، فأما نفقتها على الزوج الثاني ، فإن قلنا : لها أن تتزوج . فنكاحها صحيح ، حكمه في النفقة حكم غيره من الأنكحة الصحيحة . وإن قلنا : ليس لها أن تتزوج . فلا نفقة لها ، فإن أنفق عليها ، لم يرجع بشيء ; لأنه تطوع به ، إلا أن يجبره على ذلك حاكم ، فيحتمل أن يرجع بها ; لأنه ألزمه أداء ما لم يكن واجبا عليه ، ويحتمل ألا يرجع به ; لأن ما حكم به الحاكم لا يجوز نقضه ، ما لم يخالف كتابا أو سنة أو إجماعا . فإن فارقها بتفريق الحاكم أو غيره ، فلا نفقة لها ، إلا أن تكون حاملا ، فينبني وجوب النفقة ، على الروايتين في النفقة ; هل هي للحمل ، أو لها من أجله ؟ فإن قلنا : هي للحمل . فلها النفقة ; لأن نسب الحمل لاحق به ، فيجب عليه الإنفاق على ولده .

وإن قلنا : لها من أجله . فلا نفقة لها ; لأنه في غير نكاح صحيح ، فأشبه حمل الموطوءة بشبهة . وإذا أتت بولد يمكن كونه من الثاني ، لحقه نسبه ; لأنها صارت فراشا له ، وقد علمنا أن الولد ليس من الأول ; لأنها تربصت بعد فقده أكثر من مدة الحمل ، وتنقضي عدتها من الثاني بوضعه ; لأن الولد منه ، وعليها أن ترضعه اللبأ ; لأن الولد لا يقوم بدنه إلا به ، فإن ردت إلى الأول ، فله منعها من إرضاعه ، كما له أن يمنعها من رضاع أجنبي ; لأن ذلك يشغلها عن حقوقه ، إلا أن يضطر إليها ، ويخشى عليه التلف ، فليس له منعها من إرضاعه ; لأن هذا حال ضرورة . فإن أرضعته في بيت الزوج الأول ، لم تسقط نفقتها ; لأنها في قبضته ويده ، وإن أرضعته في غير بيته بغير إذنه ، فلا نفقة لها ; لأنها ناشز ، وإن كان بإذنه ، خرج على الروايتين فيما إذا سافرت لحاجتها بإذنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية