صفحة جزء
( 6376 ) فصل : وإن اشترى أمة ، فأعتقها قبل استبرائها ، لم يجز أن يتزوجها حتى يستبرئها . وبهذا قال الشافعي . وقال أصحاب الرأي : له ذلك . ويحكى أن الرشيد اشترى جارية ، فتاقت نفسه إلى جماعها قبل استبرائها ، فأمره أبو يوسف أن يعتقها ويتزوجها ويطأها . قال أبو عبد الله : وبلغني أن المهدي اشترى جارية ، فأعجبته ، فقيل له : اعتقها وتزوجها . قال أبو عبد الله : سبحان الله ، ما أعظم هذا ، أبطلوا الكتاب والسنة ، جعل الله على الحرائر العدة من أجل الحمل ، فليس من امرأة تطلق أو يموت زوجها إلا تعتد من أجل الحمل ، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم استبراء الأمة بحيضة من أجل الحمل ، ففرج يوطأ يشتريه ، ثم يعتقها على المكان ، فيتزوجها ، فيطؤها ، يطؤها رجل اليوم ويطؤها الآخر غدا ، فإن كانت حاملا كيف يصنع ؟ هذا نقض الكتاب والسنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : { لا توطأ الحامل حتى تضع ، ولا غير الحامل حتى تحيض } . وهذا لا يدري أهي حامل أم لا . ما أسمج هذا ، قيل له : إن قوما يقولون هذا : فقال : قبح الله هذا ، وقبح من يقوله . وفيما نبه عليه أبو عبد الله من الأحاديث كفاية مع ما ذكرنا فيما قبل هذا الفصل .

إذا ثبت هذا ، فليس له تزويجها لغيره قبل استبرائها ، إذا لم يعتقها ; لأنها ممن يجب استبراؤها ، فلم يجز أن يتزوج ، كالمعتدة ، وسواء في ذلك المشتراة من رجل يطؤها ، أو من رجل قد استبرأها ولم يطأها ، أو ممن لا يمكنه الوطء ، كالصبي والمرأة والمجبوب . وقال الشافعي : إذا اشتراها ممن لا يطؤها ، فله تزويجها ، سواء أعتقها أو لم يعتقها ، وله أن يتزوجها إذا أعتقها ; لأنها ليست فراشا ، وقد كان لسيدها تزويجها قبل بيعها ، فجاز ذلك بعد بيعها ، ولأنها لو عتقت على البائع بإعتاقه أو غيره ، لجاز لكل أحد نكاحها ، فكذلك إذا أعتقها المشتري .

[ ص: 119 ] ولنا عموم قوله عليه السلام : { لا توطأ حائل حتى تستبرأ بحيضة } . ولأنها أمة يحرم عليه وطؤها قبل استبرائها ، فحرم عليه تزويجها والتزوج بها ، كما لو كان بائعها يطؤها . فأما إن أعتقها في هذه الصورة ، فله تزويجها لغيره ; لأنها حرة لم تكن فراشا ، فأبيح لها النكاح ، كما لو أعتقها البائع ، وفارق الموطوءة ; فإنها فراش يجب عليها استبراء نفسها إذا عتقت ، فحرم عليها النكاح ، كالمعتدة ، وفارق ما إذا أراد سيدها نكاحها ، فإنه لم يكن له وطؤها بملك اليمين ، فلم يكن له أن يتزوجها ، كالمعتدة ، ولأن هذا يتخذ حيلة على إبطال الاستبراء ، فمنع منه ، بخلاف تزويجها لغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية