صفحة جزء
( 6385 ) فصل : وإن وطئ الجارية التي يلزمه استبراؤها قبل استبرائها ، أثم ، والاستبراء باق بحاله ; لأنه حق عليه ، فلا يسقط بعدوانه . فإن لم تعلق منه ، استبرأها بما كان يستبرئها به قبل الوطء ، وتبني على ما مضى من الاستبراء ، وإن علقت منه ، فمتى وضعت حملها ، استبرأها بحيضة ، ولا يحل له الاستمتاع منها في حال حملها ; لأنه لم يستبرئها . وإن وطئها ، وهي حامل حملا كان موجودا حين البيع من غير البائع ، فمتى وضعت حملها انقضى استبراؤها . قال أحمد : ولا يلحق بالمشتري ، ولا يتبعه ، ولكن يعتقه ; لأنه قد شرك فيه ; لأن الماء يزيد في الولد .

وقد روى أبو داود ، بإسناده عن أبي الدرداء ، عن النبي صلى الله عليه وسلم { ، أنه مر بامرأة مجح ، على باب فسطاط ، فقال : لعله يريد أن يلم بها . فقالوا : نعم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد هممت أن ألعنه لعنا يدخل معه قبره ، كيف يورثه وهو لا يحل له ، أو كيف يستخدمه وهو لا يحل له ، } ومعناه أنه إن استلحقه وشركه في ميراثه ، لم يحل له ; لأنه ليس بولده ، وإن اتخذه مملوكا ، لم يحل له ; لأنه قد شرك فيه ، لكون الوطء يزيد في الولد .

وعن ابن عباس ، قال : { نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن وطء الحبالى حتى يضعن ما في بطونهن } . رواه النسائي ، والترمذي . ( 6386 ) فصل : ومن أراد بيع أمته ، فإن كان لا يطؤها ، لم يلزمه استبراؤها ، لكن يستحب ذلك ، ليعلم خلوها من الحمل ، فيكون أحوط للمشتري ، وأقطع للنزاع

قال أحمد : وإن كانت لامرأة ، فإني أحب أن لا تبيعها حتى تستبرئها بحيضة ، فهو أحوط لها . وإن كان يطؤها ، وكانت آيسة ، فليس عليه استبراؤها ; لأن انتفاء الحمل معلوم . وإن كانت ممن تحمل ، وجب عليه استبراؤها . وبه قال النخعي ، والثوري . وعن أحمد رواية أخرى ، لا يجب عليه استبراؤها . وهو قول أبي حنيفة ، ومالك ، والشافعي ; لأن عبد الرحمن بن عوف باع جارية كان يطؤها قبل استبرائها .

ولأن الاستبراء على المشتري ، فلا يجب على البائع ، فإن الاستبراء في حق الحرة آكد ، ولا يجب قبل النكاح وبعده ، كذلك لا يجب في الأمة قبل البيع وبعده . ولنا ، أن عمر أنكر على عبد الرحمن بن عوف بيع جارية كان يطؤها قبل استبرائها ، فروى عبد الله بن عبيد بن عمير ، قال : باع عبد الرحمن بن عوف جارية كان يقع عليها قبل أن يستبرئها ، فظهر بها حمل عند الذي اشتراها ، فخاصموه إلى عمر ، فقال له عمر : كنت تقع عليها ؟ قال : نعم . قال : فبعتها قبل أن تستبرئها ؟ قال : نعم . قال : ما كنت لذلك بخليق . قال : فدعا القافة ، فنظروا إليه ، فألحقوه به .

ولأنه يجب على المشتري الاستبراء لحفظ مائه ، فكذلك البائع ; ولأنه قبل الاستبراء مشكوك في صحة البيع وجوازه ، لاحتمال أن تكون أم ولد ، فيجب الاستبراء لإزالة الاحتمال ، فإن خالف وباع ، فالبيع صحيح في الظاهر ; لأن الأصل عدم الحمل ; ولأن عمر وعبد الرحمن ، لم يحكما بفساد البيع في الأمة التي باعها قبل استبرائها إلا بلحاق الولد به ، ولو كان البيع باطلا قبل ذلك ، لم يحتج إلى ذلك . وذكر أصحابنا الروايتين في كل أمة يطؤها ، من غير تفريق بين الآيسة وغيرها . والأولى أن ذلك لا يجب في [ ص: 124 ] الآيسة ; لأن علة الوجوب احتمال الحمل ، وهو وهم بعيد ، والأصل عدمه ، فلا نثبت به حكما بمجرده .

التالي السابق


الخدمات العلمية