صفحة جزء
( 6392 ) فصل : والرابع المبيت في غير منزلها . وممن أوجب على المتوفى عنها زوجها الاعتداد في منزلها ، عمر ، وعثمان رضي الله عنهما وروي ذلك عن ابن عمر ، وابن مسعود ، وأم سلمة ، وبه يقول مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، وأبو حنيفة ، والشافعي ، وإسحاق وقال ابن عبد البر : وبه يقول جماعة فقهاء الأمصار ، بالحجاز ، والشام ، والعراق ، ومصر وقال جابر بن زيد ، والحسن ، وعطاء تعتد حيث شاءت .

وروي ذلك عن علي ، وابن عباس ، وجابر ، وعائشة رضي الله عنهم قال ابن عباس : نسخت هذه الآية عدتها عند أهله ، وسكنت في وصيتها ، وإن شاءت خرجت ; لقول الله تعالى : { فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في أنفسهن } . قال عطاء : ثم جاء الميراث ، فنسخ السكنى ، تعتد حيث شاءت . رواهما أبو داود . ولنا ، ما روت فريعة بنت مالك بن سنان ، أخت أبي سعيد الخدري ، { أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته أن زوجها خرج في طلب أعبد له ، فقتلوه بطرف القدوم ، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أرجع إلى أهلي ، فإن زوجي لم يتركني في مسكن يملكه ، ولا نفقة . قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم . قالت : فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة أو في المسجد ، دعاني ، أو أمر بي فدعيت له ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : كيف قلت فرددت عليه القصة ، فقال : امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله . فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا ، فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي ، فسألني عن ذلك ، فأخبرته فاتبعه ، وقضى به } . رواه مالك ، في موطئه ، والأثرم ، وهو حديث صحيح ، قضى به عثمان في جماعة الصحابة فلم ينكروه .

إذا ثبت هذا ، فإنه يجب الاعتداد في المنزل الذي مات زوجها وهي ساكنة به ، سواء كان مملوكا لزوجها ، أو بإجارة ، أو عارية ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم { قال لفريعة : امكثي في بيتك } . ولم تكن في بيت يملكه زوجها . وفي بعض ألفاظه : { اعتدي في البيت الذي أتاك فيه نعي زوجك } وفي لفظ : { اعتدي حيث أتاك الخبر } فإن أتاها الخبر في غير مسكنها ، رجعت إلى مسكنها فاعتدت فيه .

وقال سعيد بن المسيب ، والنخعي : لا تبرح من مكانها الذي أتاها فيه نعي زوجها ، اتباعا للفظ الخبر الذي رويناه . ولنا قوله عليه السلام { : امكثي في بيتك } واللفظ الآخر قضية في عين ، والمراد به هذا ، فإن قضايا الأعيان [ ص: 128 ] لا عموم لها ، ثم لا يمكن حمله على العموم ; فإنه لا يلزمها الاعتداد في السوق والطريق والبرية ، إذا أتاها الخبر وهي فيها . ( 6393 )

فصل : فإن خافت هدما أو غرقا أو عدوا أو نحو ذلك ، أو حولها صاحب المنزل لكونه عارية رجع فيها ، أو بإجارة انقضت مدتها ، أو منعها السكنى تعديا ، أو امتنع من إجارته ، أو طلب به أكثر من أجرة المثل ، أو لم تجد ما تكتري به ، أو لم تجد إلا من مالها ، فلها أن تنتقل ; لأنها حال عذر ، ولا يلزمها بذلك أجر المسكن ، وإنما الواجب عليها فعل السكنى ، لا تحصيل المسكن ، وإذا تعذرت السكنى ، سقطت ، ولها أن تسكن حيث شاءت . ذكره القاضي وذكر أبو الخطاب ، أنها تنتقل إلى أقرب ما يمكنها النقلة إليه . وهو مذهب الشافعي ; لأنه أقرب إلى موضع الوجود ، فأشبه من وجبت عليه الزكاة في موضع لا يجد فيه أهل السهمان ، فإنه ينقلها إلى أقرب موضع يجدهم فيه .

ولنا ، أن الواجب سقط لعذر ، ولم يرد الشرع له ببدل ، فلا يجب ، كما لو سقط الحج للعجز عنه وفوات شرط ، والمعتكف إذا لم يقدر على الاعتكاف في المسجد ; ولأن ما ذكروه إثبات حكم بلا نص ، ولا معنى نص ، فإن معنى الاعتداد في بيتها لا يوجد في السكنى فيما قرب منه ، ويفارق أهل السهمان ; فإن القصد نفع الأقرب ، وفي نقلها إلى أقرب موضع يجده نفع الأقرب ، فوجب لذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية