صفحة جزء
( 674 ) فصل : ولا تجزئه القراءة بغير العربية ، ولا إبدال لفظها بلفظ عربي ، سواء أحسن قراءتها بالعربية أو لم يحسن . وبه قال الشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد . وقال أبو حنيفة : يجوز ذلك . وقال بعض أصحابه : أنما يجوز لمن لم يحسن العربية . واحتج بقوله تعالى : { وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ } . ولا ينذر كل [ ص: 289 ] قوم إلا بلسانهم ولنا قول الله تعالى : { قرآنا عربيا } .

وقوله تعالى : { بلسان عربي مبين } . ولأن القرآن معجزة ; لفظه ، ومعناه ، فإذا غير خرج عن نظمه ، فلم يكن قرآنا ولا مثله ، وإنما يكون تفسيرا له ، ولو كان تفسيره مثله لما عجزوا عنه لما تحداهم بالإتيان بسورة من مثله ، أما الإنذار ، فإنه إذا فسره لهم كان الإنذار بالمفسر دون التفسير . ( 675 ) فصل : فإن لم يحسن القراءة بالعربية ، لزمه التعلم ، فإن لم يفعل مع القدرة عليه ، لم تصح صلاته ، فإن لم يقدر أو خشي فوات الوقت ، وعرف من الفاتحة آية ، كررها سبعا . قال القاضي : لا يجزئه غير ذلك ; لأن الآية منها أقرب إليها من غيرها .

وكذلك إن أحسن منها أكثر من ذلك ، كرره بقدره . ويحتمل أن يأتي ببقية الآي من غيرها ; لأن هذه الآية يسقط فرضها بقراءتها ، فيعدل عن تكرارها إلى غيرها ، كمن وجد بعض الماء ، فإنه يغسل به ، ويعدل إلى التيمم . وذكر القاضي هذا الاحتمال في " الجامع " . ولأصحاب الشافعي وجهان ، كما ذكرنا . فأما إن عرف بعض آية ، لم يلزمه تكرارها ، وعدل إلى غيرها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر الذي لا يحسن القرآن أن يقول : ( الحمد لله ) وغيرها .

وهي بعض آية ، ولم يأمره بتكرارها .

وإن لم يحسن شيئا منها ، وكان يحفظ غيرها من القرآن ، قرأ منه بقدرها إن قدر ، لا يجزئه غيره ; لما روى أبو داود ، عن رفاعة بن رافع ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قمت إلى الصلاة ، فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلا فاحمد الله ، وهلله ، وكبره } ولأنه من جنسها ، فكان أولى . ويجب أن يقرأ بعدد آياتها .

وهل يعتبر أن يكون بعدد حروفها ؟ فيه وجهان : أحدهما ، لا يعتبر ; لأن الآيات هي المعتبرة ، بدليل أنه لا يكفي عدد الحروف دونها ، فأشبه من فاته صوم يوم طويل ، فلا يعتبر أن يكون القضاء في يوم على قدر ساعات الأداء . والثاني : يلزمه ذلك ; لأن الحرف مقصود ; بدليل تقدير الحسنات به ، ويخالف الصوم ، إذ لا يمكن اعتبار المقدار في الساعات إلا بمشقة . فإن لم يحسن إلا آية ، كررها سبعا . فإن لم يحسن شيئا من القرآن ، ولا أمكنه التعلم قبل خروج الوقت ، لزمه أن يقول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ; لما روى أبو داود ، قال { جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إني لا أستطيع أن آخذ شيئا من القرآن ، فعلمني ما [ ص: 290 ] يجزئني منه . فقال : قل : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله قال : هذا لله . فما لي ؟ قال : تقول : اللهم اغفر لي ، وارحمني ، وارزقني ، واهدني ، وعافني } .

ولا يلزمه الزيادة على الخمس الأول ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر عليها ، وإنما زاده عليها حين طلب الزيادة . وذكر بعض أصحاب الشافعي ، أنه يزيد على هذه الخمس كلمتين ، حتى تكون مقام سبع آيات . ولا يصح ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمه ذلك جوابا لقوله : علمني ما يجزئني .

والسؤال كالمعتاد في الجواب ، فكأنه قال : يجزئك هذا . وتفارق القراءة من غير الفاتحة ; لأنه بدل من غير الجنس ، فأشبه التيمم . فإن لم يحسن هذه الكلمات كلها ، قال ما يحسن منها . وينبغي أن يلزمه تكرار ما يحسن منها بقدرها ، كمن يحسن بعض الفاتحة . ويحتمل أن يجزئه التحميد والتهليل والتكبير ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { فإن كان معك قرآن فاقرأ به ، وإلا فاحمد الله ، وهلله ، وكبره } رواه أبو داود .

التالي السابق


الخدمات العلمية