صفحة جزء
( 6473 ) فصل : وإن لم يجد النفقة إلا يوما بيوم ، فليس ذلك إعسارا يثبت به الفسخ ; لأن ذلك هو الواجب عليه ، وقد قدر عليه . وإن وجد في أول النهار ما يغديها ، وفي آخره ما يعشيها ، لم يكن لها الفسخ ; لأنها تصل إلى كفايتها ، وما يقوم به بدنها . وإن كان صانعا يعمل في الأسبوع ما يبيعه في يوم بقدر كفايتها في الأسبوع كله ، لم يثبت الفسخ ; لأن هذا يحصل الكفاية به في جميع زمانه . وإن تعذر عليه الكسب في بعض زمانه ، أو تعذر البيع لم يثبت الفسخ ; لأنه يمكن الاقتراض إلى زوال العارض ، وحصول الاكتساب . وإن عجز عن الاقتراض أياما يسيرة لم يثبت الفسخ ; لأن ذلك يزول عن قرب ، ولا يكاد يسلم منه كثير من الناس .

وإن مرض مرضا يرجى زواله في أيام يسيرة ، لم يفسخ ; لما ذكرناه . وإن كان ذلك يطول ، فلها الفسخ ; لأن الضرر الغالب يلحقها ، ولا يمكنها الصبر . وكذلك إن كان لا يجد من النفقة إلا يوما دون يوم ، فلها الفسخ ; لأنها لا يمكنها الصبر على هذا ، ويكون بمثابة من لا يجد إلا بعض القوت . وإن أعسر ببعض نفقة المعسر ، ثبت لها الخيار ; لأن البدن لا يقوم بما دونها . وإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر ، فلا خيار لها ; لأن تلك الزيادة تسقط بإعساره ، ويمكن الصبر عنها ، ويقوم البدن بما دونها .

وإن أعسر بنفقة الخادم ، لم يثبت لها خيار ; لما ذكرنا ، وكذلك إن أعسر بالأدم . وإن أعسر بالكسوة ، فلها الفسخ ; لأن الكسوة لا بد منها ، ولا يمكن الصبر عنها ، ولا يقوم البدن بدونها . وإن أعسر بأجرة المسكن ، ففيه وجهان ; أحدهما : لها الخيار ; لأنه مما لا بد منه ، فهو كالنفقة والكسوة . والثاني ، لا خيار لها ; لأن البنية تقوم بدونه . وهذا الوجه هو الذي ذكره القاضي . وإن أعسر بالنفقة الماضية ، لم يكن لها الفسخ ; لأنها دين يقوم البدن بدونها ، فأشبهت سائر الديون . [ ص: 164 ] الحال الثاني ، أن يمتنع من الإنفاق مع يساره ; فإن قدرت له على مال ، أخذت منه قدر حاجتها ، ولا خيار لها ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر هندا بالأخذ ، ولم يجعل لها الفسخ ، وإن لم تقدر ، رافعته إلى الحاكم ، فيأمره بالإنفاق ، ويجبره عليه ، فإن أبى حبسه ، فإن صبر على الحبس ، أخذ الحاكم النفقة من ماله ، فإن لم يجد إلا عروضا أو عقارا ، باعها في ذلك . وبهذا قال مالك ، والشافعي ، وأبو يوسف ، ومحمد ، وأبو ثور .

وقال أبو حنيفة : النفقة في ماله من الدنانير والدراهم ، ولا يبيع عرضا إلا بتسليم ; لأن بيع مال الإنسان لا ينفذ إلا بإذنه ، أو إذن وليه ، ولا ولاية على الرشيد . ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم لهند " خذي ما يكفيك " . ولم يفرق ، ولأن ذلك مال له ، فتؤخذ منه النفقة ، كالدراهم والدنانير ، وللحاكم ولاية عليه إذا امتنع ، بدليل ولايته على دراهمه ودنانيره .

وإن تعذرت النفقة في حال غيبته ، وله وكيل ، فحكم وكيله حكمه في المطالبة والأخذ من المال عند امتناعه ، وإن لم يكن له وكيل ، ولم تقدر المرأة على الأخذ ، أخذ لها الحاكم من ماله ، ويجوز بيع عقاره وعروضه في ذلك ، إذا لم تجد ما تنفق سواه . وينفق على المرأة يوما بيوم . وبهذا قال الشافعي ، ويحيى بن آدم . وقال أصحاب الرأي : يفرض لها في كل شهر . ولنا ، أن هذا تعجيل للنفقة قبل وجوبها ، فلم يجز ، كما لو عجل لها نفقة زيادة على شهر .

التالي السابق


الخدمات العلمية