صفحة جزء
( 6526 ) مسألة : قال : ( وإذا طلق الرجل زوجته طلاقا لا يملك فيه الرجعة ، فلا سكنى لها ، ولا نفقة ، إلا أن تكون حاملا ) وجملة الأمر ، أن الرجل إذا طلق امرأته طلاقا بائنا ، فإما أن يكون ثلاثا ، أو بخلع ، أو بانت بفسخ ، وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى ، بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى { : أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس : { لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا } ولأن الحمل ولده ، فيلزمه الإنفاق عليه ، ولا يمكنه النفقة عليه ، إلا بالإنفاق عليها ، فوجب ، كما وجبت أجرة الرضاع وإن كانت حائلا ، فلا نفقة لها

وفي السكنى روايتان : ; إحداهما : لها ذلك وهو قول عمر ، وابنه وابن مسعود ، وعائشة ، وفقهاء المدينة السبعة ومالك ، والشافعي ; للآية ، والرواية الثانية ، لا سكنى لها ، ولا نفقة وهي ظاهر المذهب ، وقول علي ، وابن عباس ، وجابر ، وعطاء ، وطاوس ، والحسن وعكرمة ، وميمون بن مهران ، وإسحاق ، وأبي ثور ، وداود وقال أكثر الفقهاء العراقيين : لها السكنى والنفقة وبه قال ابن شبرمة ، وابن أبي ليلى ، والثوري ، والحسن بن صالح ، وأبو حنيفة وأصحابه ، والبتي ، والعنبري ; لأن ذلك يروى عن عمر ، وابن مسعود ولأنها مطلقة ، فوجبت لها النفقة والسكنى ، كالرجعية

وردوا خبر فاطمة بنت قيس بما روي عن عمر ، أنه قال : لا ندع كتاب ربنا ، وسنة نبينا ، لقول امرأة وأنكرته عائشة ، وسعيد بن المسيب ، وتأولوه ولنا ، ما روت فاطمة بنت قيس ، { أن زوجها طلقها ألبتة وهو غائب ، فأرسل إليها وكيله بشعير فتسخطته ، فقال : والله ما لك علينا من شيء فجاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : ليس لك عليه نفقة ولا سكنى فأمرها أن تعتد في بيت أم شريك } متفق عليه وفي لفظ : { فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : انظري يا ابنة قيس إنما النفقة للمرأة على [ ص: 186 ] زوجها ما كانت له عليها الرجعة ، فإذا لم يكن له عليها الرجعة ، فلا نفقة ولا سكنى } رواه الإمام أحمد ، والأثرم ، والحميدي ، وغيرهم قال ابن عبد البر من طريق الحجة وما يلزم منها ، قول أحمد ابن حنبل ومن تابعه أصح وأحج ; لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم نصا صريحا ، فأي شيء يعارض هذا إلا مثله عن النبي صلى الله عليه وسلم ، الذي هو المبين عن الله مراده ؟ ولا شيء يدفع ذلك ومعلوم أنه أعلم بتأويل قول الله تعالى : { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم }

وأما قول عمر ، ومن وافقه ، فقد خالفه علي وابن عباس ، ومن وافقهما ، والحجة معهم ، ولو لم يخالفه أحد منهم ، لما قبل قوله المخالف لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة على عمر وعلى غيره ، ولم يصح عن عمر أنه قال : لا ندع كتاب ربنا ، وسنة نبينا ، لقول امرأة فإن أحمد أنكره ، وقال : أما هذا فلا ، ولكن قال : لا نقبل في ديننا قول امرأة وهذا أمر يرده الإجماع على قبول قول المرأة في الرواية ، فأي حجة في شيء يخالفه الإجماع ، وترده السنة ، ويخالفه فيه علماء الصحابة قال إسماعيل بن إسحاق : نحن نعلم أن عمر لا يقول : لا ندع كتاب ربنا إلا لما هو موجود في كتاب الله والذي في الكتاب أن لها النفقة إذا كانت حاملا ، بقوله سبحانه : { وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن }

وأما غير ذوات الحمل فلا يدل الكتاب إلا على أنهن لا نفقة لهن ; لاشتراطه الحمل في الأمر بالإنفاق وقد روى أبو داود ، وغيره من الأئمة ، بإسنادهم عن ابن عباس ، قال { ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما يعني المتلاعنين وقضى أن لا بيت لها عليه ولا قوت } ولأن هذه محرمة عليه تحريما لا تزيله الرجعة ، فلم يكن لها سكنى ولا نفقة ، كالملاعنة أو كالأجنبية ، وفارقت الرجعية في ذلك وأما الرجعية ، فلها السكنى والنفقة ; للآية والخبر والإجماع ، ولأنها زوجة يلحقها طلاقه وظهاره وإيلاؤه .

التالي السابق


الخدمات العلمية