صفحة جزء
( 690 ) مسألة : قال : ( ويرفع يديه كرفعه الأول ) يعني يرفعهما إلى حذو منكبيه ، أو إلى فروع أذنيه ، كفعله عند تكبيرة الإحرام ، ويكون ابتداء رفعه عند ابتداء تكبيره ، وانتهاؤه عند انتهائه . وبهذا قال ابن عمر ، وابن عباس ، وجابر ، وأبو هريرة ، وابن الزبير ، وأنس ، والحسن وعطاء ، وطاوس ، ومجاهد ، وسالم ، وسعيد بن جبير ، وغيرهم من التابعين ، وهو مذهب ابن المبارك ، والشافعي ، وإسحاق ، ومالك في إحدى الروايتين عنه . وقال الثوري ، وأبو حنيفة : لا يرفع يديه إلا في الافتتاح . وهو قول إبراهيم النخعي ; لما روي عن { عبد الله بن مسعود ، أنه قال : ألا أصلي لكم صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم . فصلى ، فلم يرفع يديه إلا في أول مرة } . قال الترمذي : حديث ابن مسعود حسن روى يزيد بن زياد ، عن ابن أبي ليلى ، عن البراء بن عازب ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه إذا افتتح الصلاة ، ثم لا يعود } . قالوا والعمل بهذين الحديثين أولى لأن ابن مسعود كان فقيها ، ملازما لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، عالما بأحواله ، وباطن أمره وظاهره ، فتقدم روايته على رواية من لم يكن حاله كحاله .

قال إبراهيم النخعي لرجل روى حديث وائل بن حجر : لعل وائلا لم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا تلك الصلاة . فترى أن نترك رواية عبد الله ، الذي لعله لم يفته مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة ، ونأخذ برواية هذا . أو كما قال . [ ص: 295 ] ولنا ، ما روى الزهري عن سالم عن أبيه ، قال : { رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا استفتح الصلاة رفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه ، وإذا أراد أن يركع وبعدما يرفع رأسه من الركوع ، ولا يفعل ذلك في السجود } . قال البخاري : قال علي بن المديني - وكان أعلم أهل زمانه - : حق على المسلمين أن يرفعوا أيديهم لهذا الحديث . وحديث أبي حميد ، الذي ذكرنا في أول الباب وقد رواه ، في عشرة من الصحابة ، منهم أبو قتادة ، فصدقوه ، وقالوا : هكذا كان يصلي رسول الله صلى الله عليه وسلم . ورواه سوى هذين عمر ، وعلي ، ووائل بن حجر ، ومالك بن الحويرث ، وأنس ، وأبو هريرة ، وأبو أسيد ، وسهل بن سعد ، ومحمد بن مسلمة ، وأبو موسى ، وجابر بن عمير الليثي ، فصار كالمتواتر الذي لا يتطرق إليه شك مع كثرة رواته ، وصحة سنده ، وعمل به الصحابة والتابعون ، وأنكروا على من لم يعمل به . قال الحسن : رأيت أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يرفعون أيديهم إذا كبروا ، وإذا ركعوا ، وإذا رفعوا رءوسهم كأنها المراوح . قال أحمد ، وقد سئل عن الرفع فقال : إي لعمري . ومن يشك في هذا ، كان ابن عمر إذا رأى من لا يرفع ، حصبه وأمره أن يرفع . فأما حديثاهم فضعيفان . فأما حديث ابن مسعود ، فقال ابن المبارك : لم يثبت . وحديث البراء ، قال ابن عيينة : حدثنا يزيد بن أبي زياد ، عن ابن أبي ليلى ، ولم يقل : ثم لا يعود . فلما قدمت الكوفة سمعته يحدث به ، فيقول : لا يعود . فظننت أنهم لقنوه . وقال الحميدي ، وغيره : يزيد بن أبي زياد ساء حفظه في آخر عمره ، وخلط . ثم لو صحا كان الترجيح لأحاديثنا أولى لخمسة أوجه : أحدها : أنها أصح إسنادا ، وأعدل رواة ، فالحق إلى قولهم أقرب . الثاني : أنها أكثر رواة ، فظن الصدق في قولهم أقوى ، والغلط منهم أبعد . الثالث : أنهم مثبتون ، والمثبت يخبر عن شيء شاهده ورواه . فقوله يجب تقديمه لزيادة علمه . والنافي لم ير شيئا ، فلا يؤخذ بقوله ، ولذلك قدمنا قول الجارح على المعدل . الرابع : أنهم فصلوا في روايتهم ، ونصوا على الرفع في الحالتين المختلف فيهما ، ، والمخالف لهم عمم بروايته المختلف فيه وغيره ، فيجب تقديم أحاديثنا لنصها وخصوصها ، على أحاديثهم العامة ، التي لا نص فيها كما يقدم الخاص على العام ، والنص على الظاهر المحتمل . الخامس : أن أحاديثنا عمل بها السلف من الصحابة والتابعين ، فيدل ذلك على قوتها . وقولهم : إن ابن مسعود إمام . قلنا : لا ننكر فضله ، لكن بحيث يقدم على أميري المؤمنين عمر وعلي وسائر من معهم ، كلا ، ولا يساوي واحدا منهم ، فكيف يرجح على جميعهم ؟ مع أن ابن مسعود قد ترك قوله في الصلاة في أشياء ، منها أنه كان يطبق في الركوع ، يضع يديه بين ركبتيه ، فلم يؤخذ بفعله ، وأخذ برواية غيره في وضع اليدين على الركبتين ، وتركت قراءته وأخذ بقراءة زيد بن ثابت ، وكان لا يرى التيمم للجنب ، فترك ذلك برواية من هو أقل من رواة أحاديثنا وأدنى منهم فضلا ، فهاهنا أولى .

التالي السابق


الخدمات العلمية