صفحة جزء
( 6563 ) الفصل الثاني : إن الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها ، فهي أحق به ، سواء كانت في حال الزوجية أو بعدها ، وسواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد وقال أصحاب الشافعي : إن كانت في حبال الزوج ، فلزوجها منعها من إرضاعه ; لأنه يفوت حق الاستمتاع بها في بعض الأحيان ، وإن استأجرها على رضاعه ، لم يجز ; لأن المنافع حق له ، فلا يجوز أن يستأجر منها ما هو أو بعضه حق له ، وإن أرضعت الولد ، فهل لها أجر المثل ؟ على وجهين

وإن كانت مطلقة ، فطلبت أجر المثل ، فأراد انتزاعه منها ليسلمه إلى من ترضعه بأجر المثل أو أكثر ، لم يكن له ذلك ، وإن وجد متبرعة ، أو من ترضعه بدون أجر المثل ، فله انتزاعه منها ، في ظاهر المذهب ; لأنه لا يلزمه التزام المؤنة مع دفع حاجة الولد بدونها وقال أبو حنيفة : إن طلبت الأجر ، لم يلزم الأب بذلها لها ، ولا يسقط حقها من الحضانة ، وتأتي المرضعة ترضعه عندها ; لأنه أمكن الجمع بين الحقين ، فلم يجز الإخلال بأحدهما ولنا ، على الأول ، ما تقدم ، وعلى جواز الاستئجار ، أنه عقد إجارة يجوز من غير الزوج إذا أذن فيه ، فجاز مع الزوج ، كإجارة نفسها للخياطة أو الخدمة وقولهم : إن المنافع مملوكة له غير صحيح ; فإنه لو ملك منفعة الحضانة ، لملك إجبارها عليها ، ولم تجز إجارة نفسها لغيره بإذنه ، ولكانت الأجرة له ، وإنما امتنع إجارة نفسها لأجنبي بغير إذنه ، لما فيه من تفويت الاستمتاع في بعض الأوقات ; ولهذا جازت بإذنه ، وإذا استأجرها ، فقد أذن لها في إجارة نفسها ، فصح ، كما يصح من الأجنبي

وأما الدليل على وجوب تقديم الأم ، إذا طلبت أجر مثلها ، على المتبرعة ، فقوله تعالى : { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف } وقوله سبحانه : { فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن } ولأن الأم أحنى وأشفق ، ولبنها أمرأ من لبن غيرها ، فكانت أحق به من غيرها ، كما لو طلبت الأجنبية رضاعه بأجر مثلها ; ولأن في رضاع غيرها تفويتا لحق الأم من الحضانة ، وإضرارا بالولد ، ولا يجوز تفويت حق الحضانة الواجب ، والإضرار بالولد لغرض إسقاط حق أوجبه الله تعالى على الأب

وقول أبي حنيفة يفضي إلى تفويت حق الولد من لبن أمه ، وتفويت [ حق ] الأم في إرضاعه لبنها ، فلم يجز ذلك ، كما لو تبرعت برضاعه فأما إن طلبت الأم أكثر من أجر مثلها ، ووجد الأب من ترضعه بأجر مثلها ، أو متبرعة ، جاز انتزاعه منها ; لأنها أسقطت حقها باشتطاطها ، وطلبها ما ليس لها ، فدخلت في عموم قوله : [ ص: 201 ] { فسترضع له أخرى } وإن لم يجد مرضعة إلا بمثل تلك الأجرة ، فالأم أحق ; لأنهما تساوتا في الأجر ، فكانت الأم أحق ، كما لو طلبت كل واحدة منهما أجر مثلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية