صفحة جزء
( 6632 ) مسألة : قال : ( ويقتل الجماعة بالواحد ) وجملته أن الجماعة إذا قتلوا واحدا ، فعلى كل واحد منهم القصاص ، إذا كان كل واحد منهم لو انفرد بفعله وجب عليه القصاص . روي ذلك عن عمر ، وعلي ، والمغيرة بن شعبة ، وابن عباس . وبه قال سعيد بن المسيب ، والحسن ، وأبو سلمة ، وعطاء ، وقتادة . وهو مذهب مالك ، والثوري ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبي ثور وأصحاب الرأي . وحكي عن أحمد رواية أخرى ، لا يقتلون به ، وتجب عليهم الدية . وهذا قول ابن الزبير ، والزهري ، وابن سيرين ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعبد الملك ، وربيعة ، وداود وابن المنذر . وحكاه ابن أبي موسى عن ابن عباس .

وروي عن معاذ بن جبل ، وابن الزبير ، وابن سيرين ، والزهري ، أنه يقتل منهم واحد ، ويؤخذ من الباقين حصصهم من الدية ; لأن كل واحد منهم مكافئ له ، فلا تستوفى أبدال بمبدل واحد ، كما لا تجب ديات لمقتول واحد ، ولأن الله تعالى قال : { الحر بالحر } . وقال : { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } . فمقتضاه أنه لا يؤخذ بالنفس أكثر من نفس واحدة ، ولأن التفاوت في الأوصاف يمنع ، بدليل أن الحر لا يؤخذ بالعبد ، والتفاوت في العدد أولى . قال ابن المنذر : لا حجة مع من أوجب قتل جماعة بواحد .

ولنا ، إجماع الصحابة رضي الله عنهم ، روى سعيد بن المسيب ، أن عمر بن الخطاب ، قتل سبعة من أهل صنعاء [ ص: 231 ] قتلوا رجلا ، وقال لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم جميعا . وعن علي رضي الله عنه أنه قتل ثلاثة قتلوا رجلا . وعن ابن عباس أنه قتل جماعة بواحد ، ولم يعرف لهم في عصرهم مخالف ، فكان إجماعا ، ولأنها عقوبة تجب للواحد على الواحد ، فوجبت للواحد على الجماعة ، كحد القذف . ويفارق الدية ، فإنها تتبعض ، والقصاص لا يتبعض ، ولأن القصاص لو سقط بالاشتراك ، أدى إلى التسارع إلى القتل به ، فيؤدي إلى إسقاط حكمة الردع والزجر .

( 6633 ) فصل : ولا يعتبر في وجوب القصاص على المشتركين التساوي في سببه ، فلو جرحه رجل جرحا والآخر مائة ، أو جرحه أحدهما موضحة والآخر آمة ، أو أحدهما جائفة والآخر غير جائفة ، فمات ، كانا سواء في القصاص والدية ; لأن اعتبار التساوي يفضي إلى سقوط القصاص عن المشتركين ، إذ لا يكاد جرحان يتساويان من كل وجه ، ولو احتمل التساوي لم يثبت الحكم ; لأن الشرط يعتبر العلم بوجوده ، ولا يكتفي باحتمال الوجود ، بل الجهل بوجوده كالعلم بعدمه في انتفاء الحكم ، ولأن الجرح الواحد يحتمل أن يموت منه دون المائة ، كما يحتمل أن يموت من الموضحة دون الآمة ، ومن غير الجائفة دون الجائفة ، ولأن الجراح إذا صارت نفسا سقط اعتبارها ، فكان حكم الجماعة كحكم الواحد ، ألا ترى أنه لو قطع أطرافه كلها فمات ، وجبت دية واحدة ، كما لو قطع طرفه فمات .

التالي السابق


الخدمات العلمية