صفحة جزء
( 6639 ) مسألة : قال : ( وإذا اشترك في القتل صبي ومجنون وبالغ ، لم يقتل واحد منهم ، وعلى العاقل ثلث الدية في ماله ، وعلى عاقلة كل واحد من الصبي والمجنون ثلث الدية وعتق رقبتين في أموالهما ; لأن عمدهما خطأ ) أما إذا شاركوا في القتل من لا قصاص عليه لمعنى في فعله ; كالصبي والمجنون فالصحيح في المذهب أنه لا قصاص عليه . وبهذا قال الحسن ، والأوزاعي ، وإسحاق ، وأبو حنيفة ، وأصحابه . وهو أحد قولي الشافعي .

وعن أحمد ، رواية أخرى أن القود يجب على البالغ العاقل . حكاها ابن المنذر عن أحمد . وحكي ذلك عن مالك . وهو القول الثاني للشافعي ، وروي ذلك عن قتادة ، والزهري ، وحماد ; لأن القصاص عقوبة تجب عليه جزاء لفعله ، فمتى كان فعله عمدا عدوانا ، وجب القصاص عليه ، ولا ننظر إلى فعل شريكه بحال ، ولأنه شارك في القتل عمدا عدوانا ، فوجب عليه القصاص ، كشريك الأجنبي ، وذلك ، لأن الإنسان إنما يؤخذ بفعله لا بفعل غيره . فعلى هذا ، يعتبر فعل [ ص: 235 ] الشريك منفردا ، فمتى تمحض عمدا عدوانا ، وكان المقتول مكافئا له ، وجب عليه القصاص .

وبنى الشافعي قوله على أن فعل الصبي والمجنون إذا تعمداه عمد ; لأنهما يقصدان القتل ، وإنما سقوط القصاص عنهما لمعنى فيهما ، وهو عدم التكليف ، فلم يقتض سقوطه عن شريكهما ، كالأبوة . ولنا ، أنه شارك من لا مأثم عليه في فعله ، فلم يلزمه قصاص ، كشريك الخاطئ ، ولأن الصبي والمجنون لا قصد لهما صحيح ، ولهذا لا يصح إقرارهما ، فكان حكم فعلهما حكم الخطأ ، وهذا معنى قول الخرقي : عمدهما خطأ أي في حكم الخطأ في انتفاء القصاص عنه ، ومدار ديته ، وحمل عاقلتهما إياها ، ووجوب الكفارة .

إذا ثبت هذا ، فإن الدية تجب عليهم أثلاثا ، على كل واحد منهم ثلثها ; لأن الدية بدل المحل ، ولذلك اختلفت باختلافه ، والمحل المتلف واحد ، فكانت ديته واحدة ، ولأنها تتقدر بقدره ، أما القصاص ، فإنما كمل في كل واحد ; لأنه جزاء الفعل ، وأفعالهم متعددة ، فتعدد في حقهم ، وكمل في حق كل واحد ، كما لو قذف جماعة واحدا ، إلا أن الثلث الواجب على المكلف يلزم في ماله حالا ; لأن فعله عمد ، والعاقلة لا تحمل العمد ، وما يلزم الصبي والمجنون ، فعلى عاقلتهما ; لأن عمدهما خطأ ، والعاقلة تحمل جناية الخطأ إذا بلغت ثلث الدية ، وتكون مؤجلة عاما ، فإن الواجب متى كان ثلث الدية ، كان أجله عاما ، ويلزم كل واحد منهما الكفارة من ماله ; لأن فعلهما خطأ ، والقاتل الخاطئ والمشارك في القتل خطأ ، يلزمه كفارة ; لأنها لا تجب بدلا عن المحل ، ولهذا لم تختلف ، وإنما وجبت تكفيرا للفعل ، ومحوا لأثره ، فوجب تكميلها ، كالقصاص .

التالي السابق


الخدمات العلمية