صفحة جزء
( 6721 ) فصل : وإذا قال المقتص للجاني : أخرج يمينك لأقطعها . فأخرج يساره ، فقطعها ، فعلى قول أبي بكر يجزئ ذلك ، سواء قطعها عالما بها أو غير عالم ، وعلى قول ابن حامد إن أخرجها عمدا عالما بأنها يساره ، وأنها لا تجزئ ، فلا ضمان على قاطعها ولا قود . لأنه بذلها بإخراجه لها لا على سبيل العوض ، وقد يقوم الفعل في ذلك مقام النطق ، بدليل أنه لا فرق بين قوله : خذ هذا فكله ، وبين استدعاء ذلك منه ، فيعطيه إياه ، ويفارق هذا ما لو قطع يد إنسان ، وهو ساكت ، لأنه لم يوجد منه البذل ، وينظر في المقتص ، فإن فعل ذلك عالما بالحال عزر ، لأنه ممنوع منه لحق الله تعالى ، وهل يسقط القصاص في اليمين ؟ على وجهين : أحدهما : يسقط ، لأن قاطع اليسار تعدى بقطعها ; ولأنه قطع إحدى يديه ، فلم يملك قطع اليد الأخرى ، كما لو قطع يد السارق اليسرى مكان يمينه ، فإنه لا يملك قطع يمينه

والوجه الثاني ، أنه لا يسقط ، وهو مذهب الشافعي وفرقوا بين القصاص وقطع السارق من ثلاثة أوجه ، أحدها : أن الحد مبني على الإسقاط ، بخلاف القصاص والثاني ، أن اليسار لا تقطع في السرقة ، وإن عدمت يمينه ، لأنه يفوت منفعة الجنس في الحد ، بخلاف القصاص ، والثالث : أن اليد لو سقطت بأكلة أو قصاص [ ص: 267 ] سقط القطع في السرقة ، فجاز أن يسقط بقطع اليسار ، بخلاف القصاص ، فإنه لا يسقط ، وينتقل إلى البدل ، لكن لا تقطع يمينه حتى تندمل يساره ، لئلا يؤدي إلى ذهاب نفسه ، فإن قيل : أليس لو قطع يمين رجل ويسار آخر ، لم يؤخر أحدهما إلى اندمال الآخر ؟ قلنا : الفرق بينهما أن القطعين مستحقان قصاصا ; فلهذا جمعنا بينهما ، وفي مسألتنا أحدهما غير مستحق ، فلم نجمع بينهما ، فإذا اندملت اليسار قطعنا اليمين ، فإن سرى قطع اليسار إلى نفسه ، كانت هدرا ، ويجب في تركته دية اليمين ; لتعذر الاستيفاء فيها بموته . وإن قال المقتص منه : لم أعلم أنها اليسار ، أو ظننت أنها تجزئ عن اليمين ، نظرت في المستوفي ، فإن علم أنها يساره ، وأنها لا تكون قصاصا ، ضمنها بديتها ويعزر .

وقال بعض الشافعية : عليه القصاص ، لأنه قطعها مع العلم بأنه ليس له قطعها . ولنا ، أنه قطعها ببذل صاحبها ، فلم يجب عليه القصاص ، كما لو علم باذلها . وإن كان جاهلا ، فلا تعزير عليه ، وعليه الضمان بالدية ، لأنه بذلها له على وجه البدل ، فكانت مضمونة عليه ، ولأنها مضمونة لو كان القاطع عالما بها ، وما وجب ضمانه في العمد ، وجب في الخطأ ، كإتلاف المال ، والقصاص باق له في اليمين ، ولا تقطع حتى تندمل اليسار ، فإذا اندملت ، فله قطع اليمين ، فإن عفا ، وجب بدلها ، ويتقاصان ، وإن سرت اليسار إلى نفسه ، كانت مضمونة بالدية الكاملة ، وقد تعذر قطع اليمين ، ووجب له نصف الدية ، فيتقاصان به ، ويبقى نصف الدية لورثة الجاني .

وإن اختلفا في بذلها فقال الجاني : إنما بذلتها بدلا عن اليمين ، وقال المجني عليه : بذلتها في غير عوض ، أو قال : أخرجتها دهشة ، فقال : بل عالما . فالقول قول الجاني ، لأنه أعلم بنيته ، ولأن الظاهر أن الإنسان لا يبذل طرفه للقطع تبرعا ، مع أن عليه قطعا مستحقا ، وهذا مذهب الشافعي وإن كان باذل اليسار مجنونا مثل أن يجن بعد وجوب القصاص عليه ، فعلى قاطعها ضمانها بالقصاص إن كان عالما ، وبالدية إن كان مخطئا لأن بذل المجنون ليس بشبهة ، وإن كان من له القصاص مجنونا ومن عليه القصاص عاقلا ، فأخرج إليه يساره أو يمينه فقطعها ذهبت هدرا ، لأنه لا يصح منه الاستيفاء ، ولا يجوز البدل له ، ولا ضمان عليه ، لأنه أتلفها ببذل صاحبها ، لكن إن كان المقطوع اليمنى ، وقد تعذر استيفاء القصاص فيها لتلفها ، فيكون للمجنون ديتها .

وإن وثب المجنون عليه فقطع يده التي لا قصاص فيها ، فعلى عاقلته ديتها ، وله القصاص في الأخرى ، وإن قطع الأخرى ، فهو مستوف حقه في أحد الوجهين ، لأن حقه متعين فيها ، فإذا أخذها قهرا ، سقط حقه ، كما لو أتلف وديعته ، والثاني ، لا يسقط حقه ، وله عقل يده ، وعقل يد الجاني على عاقلته ; لأن المجنون لا يصح منه الاستيفاء ويفارق الوديعة إذا أتلفها ; لأنها تلفت بغير تفريط ، وليس لها بدل إذا تلفت بذلك ، واليد بخلافه فإنها لو تلفت بغير تفريط كانت عليه ديتها ، وكذلك الصغير ، وكذلك الحكم فيهما إذا قتلا قاتل أبيهما عمدا ، وإن اقتصا من الجاني ما لا تحمله عاقلته ، كما دون الثلث ، كقطع إصبع ونحوها ، سقط حقهما ، لأن ذلك يقتضي الدية في ذمتهما ، ولهما في ذمة الجاني مثل ذلك ، فيتقاصان ، وإن كانت ديتهما مختلفة ، كالمسلم والذمي ، والرجل والمرأة .

فإن قلنا : يكونان مستوفيين ، لحقهما بالقطع ، لم يبق لهما حق ، كما لو أتلفا وديعتهما ، وإن قلنا : لا يكونان مستوفيين ، يقاص من الديتين بقدر الأدنى منهما ، ووجب الفضل للصبي والمجنون ، وإن كانت [ ص: 268 ] الجناية عليهما أو على وليهما خطأ تحمله العاقلة ، فاستوفيا القصاص ، لم يسقط حقهما ، وجها واحدا ، وكانت دية من استوفيا منه على عاقلتهما مؤجلة ، ودية الجناية عليهما أو على وليهما على عاقلة الجاني مؤجلة .

التالي السابق


الخدمات العلمية