صفحة جزء
( 6723 ) فصل : وسراية الجناية مضمونة بلا خلاف ; لأنها أثر الجناية ، والجناية مضمونة ، فكذلك أثرها . ثم إن سرت إلى النفس ، وما لا يمكن مباشرته بالإتلاف ، مثل أن يهشمه في رأسه فيذهب ضوء عينيه ، وجب القصاص فيه ، ولا خلاف في ذلك في النفس ، وفي ضوء العين خلاف قد ذكرناه فيما تقدم وإن سرت إلى ما يمكن مباشرته بالإتلاف ، مثل إن قطع إصبعا ، فتآكلت أخرى وسقطت من مفصل ، ففيه القصاص أيضا ، في قول إمامنا وأبي حنيفة ومحمد بن الحسن

وقال أكثر الفقهاء : لا قصاص في الثانية ، وتجب ديتها ; لأن ما أمكن مباشرته بالجناية لا يجب القود فيه بالسراية ، كما لو رمى سهما فمرق منه إلى آخر . ولنا ، أن ما وجب فيه القود بالجناية وجب بالسراية ، كالنفس وضوء العين ، ولأنه أحد نوعي القصاص ، فأشبه ما ذكرنا ، وفارق ما ذكروه ، فإن ذلك فعل وليس بسراية ، ولأنه لو قصد ضرب رجل فأصاب آخر ، لم يجب القصاص ، ولو قصد قطع إبهامه فقطع سبابته وجب القصاص ، ولو ضرب إبهامه فمرق إلى سبابته ، وجب القصاص فيهما ، فافترقا ; ولأن الثانية تلفت بفعل أوجب القصاص ، فوجب القصاص فيها ، كما لو رمى إحداهما فمرق إلى الأخرى .

فأما إن قطع إصبعا ، فشلت إلى جانبها أخرى ، وجب القصاص في المقطوعة وحسب والأرش في الشلاء ، وبهذا قال مالك ، والشافعي وقال أبو حنيفة لا قصاص فيهما ويجب أرشهما جميعا ، لأن حكم السراية لا ينفرد عن الجناية ، بدليل ما لو سرت إلى النفس ، فإذا لم يجب القصاص في إحداهما ، لم يجب في الأخرى ، ولنا أنها جناية موجبة للقصاص لو لم تسر ، فأوجبته إذا سرت ، كالتي تسري إلى سقوط أخرى ، وكما لو قطع يد [ ص: 269 ] حبلى فسرى إلى جنينها . وبهذا يبطل ما ذكره .

وفارق الأصل ; لأن السراية مقتضية للقصاص ، كاقتضاء الفعل له ، فاستوى حكمهما ، وها هنا بخلافه ، ولأن ما ذكره غير صحيح ; فإن القطع إذا سرى إلى النفس ، سقط القصاص في القطع ، ووجب في النفس ، فخالف حكم الجناية حكم السراية ، فسقط ما قاله . إذا ثبت هذا ، فإن الأرش يجب في ماله ، ولا تحمله العاقلة ، لأنه جناية عمد ، وإنما لم يجب القصاص فيه لعدم المماثلة في القطع والشلل ، فإذا قطع إصبعه فشلت أصابعه الباقية وكفه ، فعفا عن القصاص ، وجب له نصف الدية ، وإن اقتص من الإصبع ، فله في الأصابع الباقية أربعون من الإبل ، ويتبعها ما حاذاها من الكف ، وهو أربعة أخماسه ، فيدخل أرشه فيها ، ويبقى خمس الكف فيه وجهان ; أحدهما يتبعها في الأرش ، ولا شيء فيه .

والثاني ، فيه الحكومة ; لأن ما يقابل الأربع تبعها في الأرش ، لاستوائهما في الحكم ، وحكم التي اقتص منها مخالف لحكم الأرش ، فلم يتبعها .

التالي السابق


الخدمات العلمية