صفحة جزء
( 6776 ) فصل : وعلى هذا ، أي شيء أحضره من عليه الدية من القاتل أو العاقلة من هذه الأصول ، لزم الولي أخذه ، ولم يكن له المطالبة بغيره ، سواء كان من أهل ذلك النوع ، أو لم يكن ; لأنها أصول في قضاء الواجب ، يجزئ واحد منها ، فكانت الخيرة إلى من وجبت عليه ، كخصال الكفارة ، وكشاتي الجبران في الزكاة مع الدراهم . وإن قلنا : الأصل الإبل خاصة . فعليه تسليمها إليه سليمة من العيوب ، وأيهما أراد العدول عنها إلى غيرها ، فللآخر منعه ; لأن الحق متعين فيها ، فاستحقت ، كالمثل في المثليات المتلفة .

وإن أعوزت الإبل ، ولم توجد إلا بأكثر من ثمن المثل ، فله العدول إلى ألف دينار ، أو اثني عشر ألف درهم . وهذا قول الشافعي القديم . وقال في الجديد : تجب قيمة الإبل ، بالغة ما بلغت ; لحديث عمرو بن شعيب عن عمر في تقويم الإبل ، ولأن ما ضمن بنوع من المال ، وجبت قيمته ، كذوات [ ص: 291 ] الأمثال ، ولأن الإبل إذا أجزأت إذا قلت قيمتها ، ينبغي أن تجزئ وإن كثرت قيمتها ، كالدنانير إذا غلت أو رخصت . وهكذا ينبغي أن نقول إذا غلت الإبل كلها ، فأما إن كانت الإبل موجودة بثمن مثلها ، إلا أن هذا لم يجدها ، لكونها في غير بلده ، ونحو ذلك ، فإن عمر قوم الدية من الدراهم اثني عشر ألفا وألف دينار .

( 6777 ) فصل : وظاهر كلام الخرقي ، أنه لا تعتبر قيمة الإبل ، بل متى وجدت على الصفة المشروطة ، وجب أخذها ، قلت قيمتها أو كثرت ، وهذا ظاهر مذهب الشافعي . وذكر أصحابنا أن ظاهر مذهب أحمد ، أن تؤخذ مائة ، قيمة كل بعير منها مائة وعشرون درهما ، فإن لم يقدر على ذلك ، أدى اثني عشر ألف درهم ، أو ألف دينار ; لأن عمر قوم الإبل على أهل الذهب ألف مثقال ، وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا ، فدل على أن ذلك قيمتها ، ولأن هذه إبدال محل واحد ، فيجب أن تتساوى في القيمة ، كالمثل والقيمة في بدل القرض ، والمتلف في المثليات .

ولنا ، قول النبي صلى الله عليه وسلم : { في النفس المؤمنة مائة من الإبل } . وهذا مطلق فتقييده يخالف إطلاقه ، فلم يجز إلا بدليل ; ولأنها كانت تؤخذ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيمتها ثمانية آلاف ، وقول عمر في حديثه : إن الإبل قد غلت . فقومها على أهل الورق اثني عشر ألفا ، دليل على أنها في حال رخصها أقل قيمة من ذلك ، وقد كانت تؤخذ في عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وصدر من ولاية عمر ، مع رخصها وقلة قيمتها ونقصها عن مائة وعشرين ، فإيجاب ذلك فيها خلاف سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين دية الخطأ والعمد ، فغلظ دية العمد ، وخفف دية الخطأ ، وأجمع عليه أهل العلم ، واعتبارها بقيمة واحدة تسوية بينهما ، وجمع بين ما فرقه الشارع ، وإزالة للتخفيف والتغليظ جميعا ، بل هو تغليظ لدية الخطأ ; لأن اعتبار ابن مخاض بقيمة ثنية أو جذعة ، يشق جدا ، فيكون تغليظا للدية في الخطأ ، وتخفيفا لدية العمد ، وهذا خلاف ما قصده الشارع ، وورد به ، ولأن العادة نقص قيمة بنات المخاض عن قيمة الحقاق والجذعات ، فلو كانت تؤدى على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بقيمة واحدة ، ويعتبر ذلك فيها لنقل ، ولم يجز الإخلال به ; لأن ما ورد به الشرع مطلقا إنما يحمل على العرف والعادة ، فإذا أريد به ما يخالف العادة ، وجب بيانه وإيضاحه ; لئلا يكون تلبيسا في الشريعة وإيهامهم أن حكم الله خلاف ما هو حكمه على الحقيقة ، والنبي صلى الله عليه وسلم بعث للبيان ، قال الله تعالى : { لتبين للناس ما نزل إليهم } .

فكيف يحمل قوله على الإلباس والإلغاز ، هذا مما لا يحل . ثم لو حمل الأمر على ذلك لكان الأسنان عبثا غير مفيد ، فإن فائدة ذلك إنما هو كون اختلاف أسنانها مظنة اختلاف القيم ، فأقيم مقامه ; ولأن الإبل أصل في الدية ، فلا تعتبر قيمتها بغيرها ، كالذهب والورق ، ولأنها أصل في الوجوب ، فلا تعتبر قيمتها ، كالإبل في السلم وشاة الجبران ، وحديث عمرو بن شعيب حجة لنا ; فإن الإبل كانت تؤخذ قبل أن تغلو ويقومها عمر ، وقيمتها أقل من اثني عشر ألفا ، وقد قيل : إن قيمتها كانت ثمانية آلاف . ولذلك قال عمر : دية الكتابي أربعة آلاف . وقولهم : إنها أبدال محل واحد . فلنا أن نمنع ، ونقول : البدل إنما هو الإبل ، وغيرها معتبر بها .

وإن سلمنا ، فهو [ ص: 292 ] منتقض بالذهب والورق ، فإنه لا يعتبر تساويهما ، وينتقض أيضا بشاة الجبران مع الدراهم . وأما بدل القرض والمتلف ، فإنما هو المثل خاصة ، والقيمة بدل عنه ; ولذلك لا تجب إلا عند العجز عنه بخلاف مسألتنا . فإن قيل : هذا حجة عليكم ; لقولكم : إن الإبل هي الأصل ، وغيرها بدل عنها فيجب أن يساويها كالمثل والقيمة . قلنا : إذا ثبت لنا هذا ، ينبغي أن يقوم غيرها بها ، ولا تقوم هي بغيرها ; لأن البدل يتبع الأصل ، ولا يتبع الأصل البدل ، على أنا نقول : إنما صير إلى التقدير بهذا ; لأن عمر ، رضي الله عنه قومها في وقته بذلك ، فوجب المصير إليه ، كيلا يؤدي التنازع والاختلاف في قيمة الإبل الواجبة ، كما قدر لبن المصراة بصاع من التمر ، نفيا للتنازع في قيمته ، فلا يوجب هذا أن يرد الأصل إلى التقويم ، فيفضي إلى عكس حكمة الشرع ، ووقوع التنازع في قيمة الإبل مع وجوبها بعينها ، على أن المعتبر في بدلي القرض مساواة المحل المقرض ، فاعتبر مساواة كل واحد من بدليه له .

والدية غير معتبرة بقيمة المتلف ; ولهذا لا تعتبر صفاته . وهكذا قول أصحابنا في تقويم البقر والشاة والحلل ، يجب أن يكون مبلغ الواجب من كل صنف منها اثني عشر ألفا ، فتكون قيمة كل بقرة أو حلة ستين درهما ، وقيمة كل شاة ستة دراهم ، لتتساوى الأبدال كلها ، وكل حلة بردتان ، فيكون أربعمائة برد .

التالي السابق


الخدمات العلمية