صفحة جزء
( 6782 ) مسألة : قال : وإن كان القتل شبه عمد فكما وصفت في أسنانها ، إلا أنها على العاقلة في ثلاث سنين ، في كل سنة ثلثها . وجملته أن القول في أسنان دية شبه العمد ، كالقول في دية العمد ، سواء في اختلاف الروايتين فيها ، واختلاف العلماء فيها ، وقد سبق الكلام في ذلك ، إلا أنها تخالف العمد في أمرين ; أحدهما أنها على العاقلة ، في ظاهر المذهب . وبه قال الشعبي والنخعي ، والحكم ، والشافعي ، والثوري ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي وابن المنذر وقال ابن سيرين ، والزهري ، والحارث العكلي وابن شبرمة ، وقتادة ، وأبو ثور : هي على القاتل في ماله . واختاره أبو بكر عبد العزيز ; لأنها موجب فعل قصده ، فلم تحمله العاقلة ، كالعمد المحض ، ولأنها دية مغلظة ، فأشبهت دية العمد .

وهكذا يجب أن يكون مذهب مالك ; لأن شبه العمد عنده من باب العمد . ولنا ، ما روى أبو هريرة ، قال : اقتتلت امرأتان من هذيل ، فرمت إحداهما الأخرى بحجر ، فقتلتها وما في بطنها ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية المرأة على عاقلتها . متفق عليه . ولأنه نوع قتل لا يوجب قصاصا فوجبت ديته على العاقلة ، كالخطأ ، ويخالف العمد المحض ; لأنه يغلظ من كل وجه ، لقصده الفعل ، وإرادته القتل ، وعمد الخطأ يغلظ من وجه ، وهو قصده الفعل ، ويخفف من وجه ، وهو كونه لم يرد القتل ، فاقتضى تغليظها من وجه وهو الأسنان ، وتخفيفها من وجه وهو حمل العاقلة لها وتأجيلها .

ولا أعلم في أنها تجب مؤجلة خلافا بين أهل العلم . وروي ذلك عن عمر ، وعلي ، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم . وبه قال الشعبي ، والنخعي ، وقتادة ، وأبو هاشم ، وعبيد الله بن عمر ومالك ، والشافعي ، [ ص: 295 ] وإسحاق ، وأبو ثور ، وابن المنذر وقد حكي عن قوم من الخوارج ، أنهم قالوا : الدية حالة ; لأنها بدل متلف . ولم ينقل إلينا ذلك عن من يعد خلافه خلافا . وتخالف الدية سائر المتلفات ; لأنها تجب على غير الجاني على سبيل المواساة له فاقتضت الحكمة تخفيفها عليهم ، وقد روي عن عمر ، وعلي أنهما قضيا بالدية على العاقلة في ثلاث سنين . ولا مخالف لهما في عصرهما ، فكان إجماعا .

التالي السابق


الخدمات العلمية