صفحة جزء
( 6831 ) مسألة : قال : ( ودية الحر الكتابي نصف دية الحر المسلم ، ونساؤهم ، على النصف من دياتهم ) هذا ظاهر المذهب . وهو مذهب عمر بن عبد العزيز ، وعروة ، ومالك ، وعمرو بن شعيب . وعن أحمد ، أنها ثلث دية المسلم . إلا أنه رجع عنها ، فإن صالحا روي عنه ، أنه قال : كنت أقول : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ، وأنا اليوم أذهب إلى نصف دية المسلم ، حديث عمرو بن شعيب ، وحديث عثمان الذي يرويه الزهري عن سالم عن أبيه . وهذا صريح في الرجوع عنه .

وروي عن عمر وعثمان ، أن ديته أربعة آلاف درهم . وبه قال سعيد بن المسيب ، وعطاء ، والحسن ، وعكرمة ، وعمرو بن دينار ، والشافعي ، وإسحاق ، وأبو ثور ; لما روى عبادة بن الصامت ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { دية اليهودي والنصراني ، أربعة آلاف ، أربعة آلاف } .

وروي عن عمر رضي الله عنه جعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف ، ودية المجوسي ثمانمائة درهم . وقال علقمة ، ومجاهد ، والشعبي ، والنخعي ، والثوري ، وأبو حنيفة : ديته كدية المسلم . وروي ذلك عن عمر ، وعثمان ، وابن مسعود ، ومعاوية رضي الله عنهم . وقال ابن عبد البر : هو قول سعيد بن المسيب والزهري ; لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { دية اليهودي والنصراني مثل دية المسلم . } ولأن الله تعالى ذكر في كتابه دية المسلم ، فقال : { ودية مسلمة إلى أهله } .

وقال في الذمي مثل ذلك ، ولم يفرق ، فدل على أن ديتهما واحدة ، ولأنه ذكر حر معصوم ، فتكمل ديته كالمسلم . ولنا ، ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { دية المعاهد نصف دية المسلم } . وفي لفظ ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى أن عقل الكتابي نصف عقل المسلم } . رواه الإمام أحمد . وفي لفظ : { دية المعاهد نصف دية الحر } . قال الخطابي : ليس في دية أهل الكتاب شيء أثبت من هذا ، ولا بأس بإسناده . وقد قال به أحمد ، وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى ، ولأنه نقص مؤثر في الدية ، فأثر في تنصيفها كالأنوثة .

وأما حديث عبادة ، فلم يذكره أهل السنن ، والظاهر أنه ليس بصحيح . وأما حديث عمر ، فإنما كان ذلك حين كانت الدية ثمانية آلاف ، فأوجب فيه نصفها أربعة آلاف ، ودليل ذلك ما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، قال : كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة دينار ، أو ثمانية آلاف درهم ، ودية أهل الكتاب يومئذ النصف . فهذا بيان وشرح مزيل للإشكال ، ففيه جمع للأحاديث ، فيكون دليلا لنا ، ولو لم يكن كذلك ، لكان قول النبي صلى الله عليه وسلم مقدما على قول عمر وغيره ، بغير إشكال ، فقد كان عمر رضي الله عنه إذا بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم سنة ، ترك قوله ، وعمل بها ، فكيف ، يسوغ لأحد أن يحتج بقوله في ترك قول رسول الله [ ص: 313 ] صلى الله عليه وسلم ، فأما ما احتج به الآخرون ، فإن الصحيح من حديث عمرو بن شعيب ما رويناه ، أخرجه الأئمة في كتبهم ، دون ما رووه .

وأما ما رووه من أقوال الصحابة ، فقد روي عنهم خلافه فنحمل قولهم في إيجاب الدية كاملة على سبيل التغليظ . قال أحمد : إنما غلظ عثمان الدية عليه ; لأنه كان عمدا ، فلما ترك القود غلظ عليه . وكذلك حديث معاوية ، ومثل هذا ما روي عن عمر رضي الله عنه حين نحر رقيق حاطب ناقة لرجل مزني ، فقال لحاطب : إني أراك تجيعهم ، لأغرمنك غرما يشق عليك . فأغرمه مثلي قيمتها . فأما ديات نسائهم ، فعلى النصف من دياتهم ، لا نعلم في هذا خلافا . قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن دية المرأة نصف دية الرجل . ولأنه لما كان دية نساء المسلمين على النصف من دياتهم ، كذلك نساء أهل الكتاب على النصف من دياتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية