صفحة جزء
( 6843 ) الفصل الثاني : إن الغرة إنما تجب إذا سقط من الضربة ، ويعلم ذلك بأن يسقط عقيب الضرب ، أو ببقائها متألمة إلى أن يسقط . ولو قتل حاملا لم يسقط جنينها ، أو ضرب من [ في ] جوفها حركة أو انتفاخ ، فسكن الحركة وأذهبها ، لم يضمن الجنين . وبهذا قال مالك ، وقتادة ، والأوزاعي ، والشافعي ، وإسحاق ، وابن المنذر . وحكي عن الزهري ، أن عليه الغرة ; لأن الظاهر أنه قتل الجنين ، فلزمته الغرة ، كما لو أسقطت . ولنا ، أنه لا يثبت حكم الولد إلا بخروجه ، ولذلك لا تصح له وصية ولا ميراث ، ولأن الحركة يجوز أن تكون لريح في البطن سكنت ، ولا يجب الضمان بالشك . وأما إذا ألقته ميتا ، فقد تحقق ، والظاهر تلفه من الضربة ، فيجب ضمانه ، سواء ألقته في حياتها ، أو بعد موتها . وبهذا قال الشافعي :

وقال مالك : وأبو حنيفة : إن ألقته بعد موتها ، لم يضمنه ; لأنه يجري مجرى أعضائها ، وبموتها سقط حكم أعضائها . ولنا ، أنه جنين تلف بجنايته ، وعلم ذلك بخروجه ، فوجب ضمانه ، كما لو سقط في حياتها ، ولأنه لو سقط حيا ضمنه ، فكذلك إذا سقط ميتا ، كما لو أسقطته في حياتها ، وما ذكروه ليس بصحيح ; لأنه لو كان كذلك ، لكان إذا سقط ميتا ثم ماتت ، لم يضمنه كأعضائها ، ولأنه آدمي موروث ، فلا يدخل في ضمان أمه ، كما لو خرج حيا . فأما إن ظهر بعضه من بطن أمه ، ولم يخرج باقيه ، ففيه الغرة . وبه قال الشافعي .

وقال مالك ، وابن المنذر : لا تجب الغرة حتى تلقيه ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أوجب الغرة في الجنين الذي ألقته المرأة ; وهذه لم تلق شيئا ، فأشبه ما لو لم يظهر منه شيء [ ص: 318 ] ولنا ، أنه قاتل لجنينها ، فلزمته الغرة ، كما لو ظهر جميعه ، ويفارق ما لو لم يظهر منه شيء ، لأنه لم يتيقن قتله ولا وجوده . وكذلك إن ألقت يدا ، أو رجلا ، أو رأسا ، أو جزءا من أجزاء الآدمي ، وجبت الغرة ; لأنا تيقنا أنه من جنين . وإن ألقت رأسين ، أو أربع أيد ، لم يجب أكثر من غرة ; لأن ذلك يجوز أن يكون من جنين واحد ، ويجوز أن يكون من جنينين ، فلم تجب الزيادة مع الشك ; لأن الأصل براءة الذمة ; وكذلك لم يجب ضمانه إذا لم يظهر ، فإن أسقطت ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه ، لأنا لا نعلم أنه جنين .

وإن ألقت مضغة ، فشهد ثقات من القوابل أن فيه صورة خفية ، ففيه غرة ، وإن شهدت أنه مبتدأ خلق آدمي لو بقي تصور ، ففيه وجهان ; أصحهما ، لا شيء فيه ; لأنه لم يتصور ، فلم يجب فيه ، كالعلقة ، ولأن الأصل براءة الذمة ، فلا نشغلها بالشك . والثاني ، فيه غرة ; لأنه مبتدأ خلق آدمي ، أشبه ما لو تصور . وهذا يبطل بالنطفة والعلقة . ،

التالي السابق


الخدمات العلمية