صفحة جزء
( 6866 ) مسألة : قال : وإذا رمى ثلاثة بالمنجنيق ، فرجع الحجر ، فقتل رجلا ، فعلى عاقلة كل واحد منهم ثلث الدية ، وعلى كل واحد منهم عتق رقبة مؤمنة في ماله أما عتق رقبة على كل واحد منهم ، فلا نعلم فيه خلافا بين أهل العلم ; لأن كل واحد منهم مشارك في إتلاف آدمي معصوم ، والكفارة لا تتبعض ، فكملت في حق كل واحد منهم ، ثم لا يخلو من حالين ; أحدهما ، أن يقتل واحدا منهم . والثاني : أن يقتل واحدا من غيرهم . فعلى كل واحد عتق رقبة ، كما ذكرنا ، والدية على عواقلهم أثلاثا ; لأن العاقلة تحمل الثلث فما زاد ، سواء قصدوا رمي واحد بعينه ، أو رمي جماعة ، أو لم يقصدوا ذلك ، إلا أنهم إن لم يقصدوا قتل آدمي معصوم ، فهو خطأ ديته دية الخطإ ، وإن قصدوا رمي جماعة أو واحد بعينه ، فهو شبه عمد ; لأن قصد الواحد بعينه بالمنجنيق لا يكاد يفضي إلى إتلافه ، فتكون ديته مغلظة على العاقلة ، إلا أنها في ثلاث سنين . وعلى قول أبي بكر ، لا تحمل العاقلة دية شبه العمد ، فلا تحمله هاهنا .

الثاني : أن يصيب رجلا منهم ، فعلى كل واحد كفارة أيضا ، ولا تسقط عمن أصابه الحجر ; لأنه شارك في قتل نفس مؤمنة ، والكفارة إنما تجب لحق الله تعالى ، فوجبت عليه بالمشاركة في نفسه ، كوجوبها بالمشاركة في قتل غيره . وأما الدية ، ففيها ثلاثة أوجه ، أحدها ، أن على عاقلة كل واحد منهم ثلث ديته لورثة المقتول ; لأن كل واحد منهم مشارك في قتل نفس مؤمنة خطأ ، فلزمته ديتها ، كالأجانب . وهذا ينبني على إحدى الروايتين ، في أن جناية المرء على نفسه أو أهله خطأ يحمل عقلها عاقلته [ ص: 328 ] الوجه الثاني : أن ما قابل فعل المقتول ساقط ، لا يضمنه أحد ; لأنه شارك في إتلاف حقه ، فلم يضمن ما قابل فعله ، كما لو شارك في قتل بهيمته أو عبده . وهذا الذي ذكره القاضي في " المجرد " ، ولم يذكر غيره . وهو مذهب الشافعي .

الثالث : أن يلغى فعل المقتول في نفسه ، وتجب ديته بكمالها على عاقلة الآخرين نصفين . قال أبو الخطاب : هذا قياس المذهب ، بناء على مسألة المتصادمين . والذي ذكره القاضي أحسن ، وأصح في النظر ، وقد روي نحوه عن علي رضي الله عنه في مسألة القارضة والقابضة والواقصة ، قال الشعبي : وذلك أن ثلاث جوار اجتمعن فأرن ، فركبت إحداهن على عنق أخرى ، وقرصت الثالثة المركوبة ، فقمصت ، فسقطت الراكبة ، فوقصت عنقها ، فماتت ، فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقضى بالدية أثلاثا على عواقلهن ، وألغى الثلث الذي قابل فعل الواقصة ; لأنها أعانت على قتل نفسها . وهذه شبيهة بمسألتنا ، ولأن المقتول مشارك في القتل ، فلم تكمل الدية على شريكيه ، كما لو قتلوا واحدا من غيرهم .

وإن رجع الحجر ، فقتل اثنين من الرماة ، فعلى الوجه الأول ، تجب ديتهما على عواقلهما أثلاثا ، وعلى كل واحد كفارتان . وعلى الوجه الثاني : تجب على عاقلة الحي منهم ، لكل ميت ثلث ديته ، وعلى عاقلة كل واحد من الميتين ثلث دية صاحبه ، ويلغى فعله في نفسه . وعلى الوجه الثالث ، على عاقلة الحي لكل واحد من الميتين نصف الدية ، ويجب على عاقلة كل واحد من الميتين نصف الدية لصاحبه . ( 6867 ) مسألة : قال : وإن كانوا أكثر من ثلاثة ، فالدية حالة في أموالهم هذا هو الصحيح في المذهب ، سواء كان المقتول منهم أو من غيرهم ، إلا أنه إذا كان منهم ، يكون فعل المقتول في نفسه هدرا ; لأنه لا يجب عليه لنفسه شيء ، ويكون باقي الدية في أموال شركائه حالا ; لأن التأجيل في الديات إنما يكون فيما تحمله العاقلة ، وهذا لا تحمله العاقلة ; لأنها لا تحمل ما دون الثلث ، والقدر اللازم لكل واحد دون الثلث .

وذكر أبو بكر فيها رواية أخرى : أن العاقلة تحملها ; لأن الجناية فعل واحد ، أوجب دية تزيد على الثلث . والصحيح هو الأول ; لأن كل واحد منهم يختص بموجب فعله دون فعل شركائه ، وحمل العاقلة إنما شرع للتخفيف عن الجاني فيما يشق ويثقل ، وما دون الثلث يسير ، على ما أسلفناه ، والذي يلزم كل واحد أقل من الثلث . وأما قوله : إنه فعل واحد . قلنا : بل هي أفعال ; لأن فعل كل واحد غير فعل الآخر ، وإنما موجب الجميع واحد ، فأشبه ما لو جرحه كل واحد جرحا فاتت النفس بجميعها . إذا ثبت هذا ، فالضمان يتعلق بمن مد الحبال ، ورمى الحجر دون من وضعه في الكفة ، وأمسك الخشبة ، اعتبارا بالمباشر . كمن وضع سهما في قوس رجل ، ورماه صاحب القوس ، فالضمان على الرامي دون الواضع .

التالي السابق


الخدمات العلمية