صفحة جزء
( 6869 ) فصل : فإن سقط رجل في بئر ، فتعلق بآخر ، فوقعا معا ، فدم الأول هدر ; لأنه مات من فعله ، وعلى عاقلته دية الثاني إن مات ; لأنه قتله بجذبته . فإن تعلق الثاني بثالث ، فماتوا جميعا ، فلا شيء على الثالث ، وعلى عاقلة الثاني ديته ، في أحد الوجهين ; لأنه جذبه وباشره بالجذب ، والمباشرة تقطع حكم السبب ، كالحافر مع الدافع ، والثاني ديته على عاقلة الأول ، والثاني نصفين ; لأن الأول جذب الثاني الجاذب للثالث ، فصار مشاركا للثاني في إتلافه . ودية الثاني على عاقلة الأول ، في أحد الوجهين ; لأنه هلك بجذبته ، وإن هلك بسقوط الثالث عليه ، فقد هلك بجذبة الأول وجذبة نفسه للثالث ، فسقط فعل نفسه ، كالمصطدمين ، وتجب ديته بكمالها على الأول . ذكره القاضي .

والوجه الثاني : يجب على الأول نصف ديته ، ويهدر نصفها في مقابلة فعل نفسه . وهذا مذهب الشافعي . ويتخرج وجه ثالث ، وهو وجوب نصف ديته على عاقلته لورثته ، كما قلنا فيما إذا رمى ثلاثة بالمنجنيق ، فقتل الحجر أحدهم . وأما الأول إذا مات بوقوعهما عليه ، ففيه الأوجه الثلاثة ; لأنه مات من جذبته وجذبة الثاني للثالث ، فتجب ديته كلها على عاقلة الثاني : ويلغى فعل نفسه ، على الوجه الأول . وعلى الثاني : يهدر نصف ديته المقابل لفعل نفسه ، ويجب نصفها على الثاني : وعلى الثالث ، يجب نصفها على عاقلته لورثته .

وإن جذب الثالث رابعا ، فمات جميعهم بوقوع بعضهم على بعض ، فلا شيء على الرابع ; لأنه لم يفعل شيئا في نفسه ولا غيره ، وفي ديته وجهان ; أحدهما ; أنها على عاقلة الثالث المباشر لجذبه . والثاني : على عاقلة الأول والثاني والثالث ; لأنه مات من جذب الثلاثة ، فكانت ديته على عواقلهم . وأما الأول فقد مات بجذبته وجذبة الثاني وجذبة الثالث ، ففيه ثلاثة أوجه ; أحدها ، أنه يلغى فعل نفسه ، وتجب ديته على عاقلة الثاني والثالث نصفين . الثاني : يجب على عاقلتهما ثلثاها ، ويسقط ما قابل فعل نفسه ، الثالث : يجب ثلثها على عاقلته لورثته . وأما الجاذب الثاني : فقد مات بالأفعال الثلاثة ، وفيه هذه الأوجه [ ص: 330 ] المذكورة في الأول سواء .

وأما الثالث : ففيه مثل هذه الأوجه الثلاثة ، ووجهان آخران ; أحدهما ، أن ديته بكمالها على الثاني ; لأنه المباشر لجذبه ، فسقط فعل غيره بفعله . والثاني أن على عاقلته نصفها ، ويسقط النصف الثاني في مقابلة فعله في نفسه . ( 6870 ) فصل : وإن وقع بعضهم على بعض ، فماتوا ، نظرت ; فإن كان موتهم بغير وقوع بعضهم على بعض ، مثل أن يكون البئر عميقا يموت الواقع فيه بنفس الوقوع ، أو كان فيه ماء يغرق الواقع فيقتله ، أو أسد يأكلهم ، فليس على بعضهم ضمان بعض ; لعدم تأثير فعل بعضهم في هلاك بعض ، وإن شككنا في ذلك ، لم يضمن بعضهم بعضا ; لأن الأصل براءة الذمة فلا نشغلها بالشك .

وإن كان موتهم بوقوع بعضهم على بعض ، فدم الرابع هدر ; لأن غيره لم يفعل فيه شيئا ، وإنما هلك بفعله ، وعليه دية الثالث ; لأنه قتله بوقوعه عليه ، ودية الثاني عليه وعلى الثالث نصفين ، ودية الأول على الثلاثة أثلاثا . ( 6871 ) فصل : وإن هلكوا بأمر في البئر ، مثل أسد كان فيه ، وكان الأول جذب الثاني ، والثاني جذب الثالث ، والثالث جذب الرابع ، فقتلهم الأسد ، فلا شيء على الرابع ، وديته على عاقلة الثالث ، في أحد الوجهين ، وفي الثاني : على عواقل الثلاثة أثلاثا ، ودم الأول هدر ، على عاقلته دية الثاني .

وأما دية الثالث ، فعلى الثاني : في أحد الوجهين ، وفي الآخر ، على الأول والثاني نصفين . وهذه المسألة تسمى مسألة الزبية ، وقد روى حنش الصنعاني ، { أن قوما من أهل اليمن ، حفروا زبية للأسد ، فاجتمع الناس على رأسها ، فهوى فيها واحد ، فجذب ثانيا ، فجذب الثاني ثالثا ، ثم جذب الثالث رابعا ، فقتلهم الأسد ، فرفع ذلك إلى علي رضي الله عنه فقال : للأول ربع الدية ; لأنه هلك فوقه ثلاثة ، وللثاني ثلث الدية ; لأنه هلك فوقه اثنان ، وللثالث نصف الدية ، لأنه هلك فوقه واحد ، وللرابع كمال الدية . وقال : فإني أجعل الدية على من حضر رأس البئر . فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : هو كما قال } . رواه سعيد بن منصور . قال : حدثنا أبو عوانة ، وأبو الأحوص ، عن سماك بن حرب ، عن حنش ، بنحو هذا المعنى . قال أبو الخطاب : فذهب أحمد إلى ذلك توقيفا على خلاف القياس ، والقياس ما ذكرناه .

التالي السابق


الخدمات العلمية