صفحة جزء
( 6940 ) مسألة : قال : ( وفي اليدين الدية ) أجمع أهل العلم على وجوب الدية في اليدين ، ووجوب نصفها في إحداهما . روي عن معاذ بن جبل رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : وفي اليدين الدية وفي الرجلين الدية } . وفي كتاب النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم { : وفي اليد خمسون من الإبل } . ولأن فيها جمالا ظاهرا ، ومنفعة كاملة ، وليس في البدن من جنسهما غيرهما ، فكان فيهما الدية ، كالعينين . واليد التي تجب فيها الدية من الكوع ; لأن اسم اليد عند الإطلاق ينصرف إليها ، بدليل أن الله تعالى لما قال { : والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } . كان الواجب قطعهما من الكوع ، وكذلك التيمم يجب فيه مسح اليدين إلى الكوعين .

فإن قطع يده من فوق الكوع ، مثل أن يقطعها من المرفق ، أو نصف الساعد ، فليس عليه إلا دية اليد . نص عليه أحمد في رواية أبي طالب . وهذا قول عطاء وقتادة والنخعي وابن أبي ليلى ومالك . وهو قول بعض أصحاب الشافعي . وظاهر مذهبه عند أصحابه ، أنه يجب مع دية اليد حكومة لما زاد ; لأن اسم اليد لها إلى الكوع ، ولأن المنفعة المقصودة في اليد ، من البطش والأخذ والدفع بالكف ، وما زاد تابع للكف ، والدية تجب في قطعها من الكوع بغير خلاف ، فتجب في الزائد حكومة ، كما لو قطعه بعد قطع الكف ، قال أبو الخطاب : وهذا قول القاضي .

ولنا ، أن اليد اسم للجميع إلى المنكب ، بدليل قوله تعالى . { : وأيديكم إلى المرافق } . ولما نزلت آية التيمم مسحت الصحابة إلى المناكب . وقال ثعلب : اليد إلى المنكب . وفي عرف الناس أن جميع ذلك يسمى يدا ، فإذا قطعها من فوق الكوع ، فما قطع إلا يدا ، فلا يلزمه أكثر من ديتها ، فأما قطعها في السرقة ; فلأن المقصود يحصل به ، وقطع بعض الشيء يسمى قطعا له ، كما يقال : قطع ثوبه . إذا قطع جانبا منه . وقولهم : إن الدية تجب في قطعها من الكوع . قلنا : وكذلك تجب بقطع الأصابع منفردة ، ولا يجب بقطعها من الكوع أكثر مما يجب في قطع الأصابع ، والذكر يجب في قطعه من أصله مثل ما يجب بقطع حشفته . فأما إذا قطع اليد من الكوع ، ثم قطعها من المرفق ، وجب في المقطوع ثانيا حكومة ; لأنه وجبت عليه دية اليد بالقطع الأول ، فوجبت بالثاني حكومة ، كما لو قطع الأصابع ثم قطع الكف ، أو قطع حشفة الذكر ثم قطع بقيته ، أو كما لو فعل ذلك اثنان [ ص: 358 ]

( 6941 ) فصل : فإن جنى عليها فأشلها ، وجبت عليه ديتها ; لأنه فوت منفعتها ، فلزمته ديتها ، كما لو أعمى عينه مع بقائها ، أو أخرس لسانه . وإن جنى على يده فعوجها ، أو نقص قوتها ، أو شانها ، فعليه حكومة لنقصها . وإن كسرها ثم انجبرت مستقيمة ، وجبت حكومة لشينها إن شانها ذلك ، وإن عادت معوجة ، فالحكومة أكثر ; لأن شينها أكثر . وإن قال الجاني : أنا أكسرها ثم أجبرها مستقيمة . لم يمكن من ذلك ; لأنها جناية ثانية . فإن كسرها تعديا ثم جبرها فاستقامت ، لم يسقط ما وجب من الحكومة في اعوجاجها ; لأن ذلك استقر حين انجبرت عوجاء ، وهذه جناية ثانية ، والجبر الثاني لها دون الأولى ، ولا يشبه هذا ما إذا ذهب ضوء عينه ثم عاد ; لأننا تبينا أن الضوء لم يذهب ، وإنما حال دونه حائل ، وها هنا بخلافه ، وتجب الحكومة في الكسر الثاني ; لأنها جناية ثانية .

ويحتمل أن لا تجب ; لأنه أزال ضرر العوج منها ، فكان نفعا ، فأشبه ما لو جنى عليه بقطع سلعة أزالها عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية