صفحة جزء
( 7030 ) مسألة ; قال : وإذا خلف المقتول ثلاثة بنين ، جبر الكسر عليهم ، فحلف كل واحد منهم سبع عشرة يمينا . اختلفت الرواية عن أحمد ، فيمن تجب عليه أيمان القسامة ; فروي أنه يحلف من العصبة الوارث منهم وغير الوارث ، خمسون رجلا ، كل واحد منهم يمينا واحدة .

وهذا قول لمالك ، فعلى هذا ، يحلف الوارث منهم الذين يستحقون دمه ، فإن لم يبلغوا خمسين ، تمموا من سائر العصبة ، يؤخذ الأقرب منهم فالأقرب من قبيلته التي ينتسب إليها ، ويعرف كيفية نسبه من المقتول ، فأما من عرف أنه من القبيلة ، ولم يعرف وجه النسب ، لم يقسم ; مثل أن يكون الرجل قرشيا والمقتول قرشي ، ولا يعرف كيفية نسبه منه ، فلا يقسم ; لأننا نعلم أن الناس كلهم من آدم ونوح ، وكلهم يرجعون إلى أب واحد ، ولو قتل من لا يعرف نسبه ، لم يقسم عنه سائر الناس ، فإن لم يوجد من نسبه خمسون ، رددت الأيمان عليهم ، وقسمت بينهم ، فإن انكسرت عليهم ، جبر كسرها عليهم حتى تبلغ خمسين ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : { يحلف خمسون رجلا منكم ، وتستحقون دم صاحبكم } . وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن لعبد الله بن سهل خمسون رجلا وارثا ، فإنه لا يرثه إلا أخوه ، أو من هو في درجته ، أو أقرب منه نسبا ، ولأنه خاطب بهذا بني عمه ، وهم غير وارثين . [ ص: 394 ]

والرواية الثانية ، لا يقسم إلا الوارث ، وتعرض الأيمان على ورثة المقتول دون غيرهم ، على حسب مواريثهم . هذا ظاهر قول الخرقي ، واختيار ابن حامد ، وقول الشافعي ; لأنها يمين في دعوى حق ، فلا تشرع في حق غير المتداعيين ، كسائر الأيمان . فعلى هذه الرواية ، تقسم بين الورثة من الرجال من ذوي الفروض والعصبات على قدر إرثهم ، فإن انقسمت من غير كسر ، مثل أن يخلف المقتول اثنين ، أو أخا وزوجا ، حلف كل واحد منهم خمسة وعشرين يمينا ، وإن كانوا ثلاثة بنين ، وجدا أو أخوين ، جبر الكسر عليهم ، فحلف كل واحد منهم سبع عشرة يمينا ; لأن تكميل الخمسين واجب ، ولا يمكن تبعيض اليمين ، ولا حمل بعضهم لها عن بعض ، فوجب تكميل اليمين المنكسرة في حق كل واحد منهم . وإن خلف أخا من أب وأخا من أم ، فعلى الأخ من الأم سدس الأيمان ، ثم يجبر الكسر ، فيكون عليه تسع أيمان ، وعلى الأخ من الأب اثنتان وأربعون . وهذا أحد قولي الشافعي .

وقال في الآخر : يحلف كل واحد من المدعين خمسين يمينا ، سواء تساووا في الميراث أو اختلفوا فيه ; لأن ما حلفه الواحد إذا انفرد ، حلفه كل واحد من الجماعة ، كاليمين الواحدة في سائر الدعاوى ، وعن مالك ، أنه قال : ينظر إلى من عليه أكثر اليمين . فيجبر عليه ، ويسقط عن الآخر . ولنا ، على أن الخمسين تقسم بينهم ، قول النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار : { تحلفون خمسين يمينا ، وتستحقون دم صاحبكم } .

وأكثر ما روي عنه في الأيمان خمسون ، ولو حلف كل واحد خمسين ، لكانت مائة ومائتين ، وهذا خلاف النص ; ولأنها حجة للمدعين ، فلم تزد على ما يشرع في حق الواحد ، كالبينة ، ويفارق اليمين على المدعى عليه ، فإنها ليست حجة للمدعي ، ولأنها لم يمكن قسمتها ، فكملت في حق واحد ; كاليمين المنكسرة في القسامة ، فإنها تجبر وتكمل في حق كل واحد ; لكونها لا تتبعض ، وما لا يتبعض يكمل ، كالطلاق والعتاق . وما ذكره مالك لا يصح ; لأنه إسقاط لليمين عمن عليه بعضها ، فلم يجز ، كما لو تساوى الكسران ، بأن يكون على كل واحد من الاثنين نصفها ، أو على كل واحد من الثلاثة ثلثها ، وبالقياس على من عليه أكثرها ; ولأن اليمين في سائر الدعاوى تكمل في حق كل واحد ، ويستوي من له في المدعى كثير وقليل ، كذا هاهنا ، ولأنه يفضي إلى أن يتحمل اليمين غير من وجبت عليه عمن وجبت عليه ، فلم يجز ذلك ، كاليمين الكاملة ، وكالجزء الأكبر .

( 7031 ) فصل : فإن كان فيهم من لا قسامة عليه بحال ، وهو النساء ، سقط حكمه ، فإذا كان ابن وبنت ، حلف الابن الخمسين كلها . وإن كان أخ وأخت لأم وأخ وأخت لأب ، قسمت الأيمان بين الأخوين ، على أحد عشر ، على الأخ من الأم ثلاثة ، وعلى الآخر ثمانية ، ثم يجبر الكسر عليهما ، فيحلف الأخ من الأب سبعة وثلاثين يمينا ، والأخ من الأم أربع عشرة يمينا .

التالي السابق


الخدمات العلمية