صفحة جزء
( 745 ) مسألة : قال : ( ويتشهد ، فيقول : { التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله . وهو التشهد الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه } ) هذا التشهد هو المختار عند إمامنا ، رحمه الله ، وعليه أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من التابعين . قاله الترمذي ، وبه يقول الثوري ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وأصحاب الرأي ، وكثير من أهل المشرق . وقال مالك : أفضل التشهد تشهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " التحيات لله ، الزاكيات لله ، الصلوات لله " ، وسائره كتشهد ابن مسعود ; لأن عمر قاله على المنبر بمحضر من الصحابة وغيرهم ، فلم ينكروه ، فكان إجماعا . وقال الشافعي : أفضل التشهد : ما روى ابن عباس قال { : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن ، فيقول : قولوا : التحيات المباركات ، الصلوات الطيبات لله ، سلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، سلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله } . أخرجه مسلم ، والترمذي ، وقال : حديث حسن صحيح ، إلا أن في رواية مسلم " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " .

ولنا ، ما روى عبد الله بن مسعود قال { : علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد - كفي بين كفيه - كما يعلمني السورة من القرآن : التحيات لله ، والصلوات والطيبات ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله } . وفي لفظ { : إذا قعد أحدكم في الصلاة فليقل : التحيات لله . وفيه : فإنكم إذا فعلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد لله صالح في السماء وفي الأرض . وفيه : فليتخير من المسألة ما شاء } . متفق عليه .

قال الترمذي : حديث ابن مسعود قد روي من غير وجه ، وهو أصح حديث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ، وقد رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم معه ابن عمر ، وجابر ، وأبو موسى ، وعائشة . وعليه أكثر أهل العلم ، فتعين الأخذ به وتقديمه . فأما حديث عمر فلم يروه عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما هو من قوله ، وأكثر أهل العلم على خلافه ، فكيف يكون إجماعا ؟ على أنه ليس الخلاف في إجزائه في الصلاة ، إنما الخلاف في الأولى والأحسن ، والأحسن تشهد النبي صلى الله عليه وسلم الذي علمه أصحابه وأخذوا به . وأما حديث ابن عباس فانفرد به ، واختلف عنه في بعض ألفاظه ، ففي رواية مسلم أنه قال : " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " كرواية ابن مسعود .

ثم رواية ابن مسعود أصح إسنادا ، وأكثر رواة ، وقد اتفق على روايته جماعة من الصحابة فيكون أولى ، ثم هو متضمن للزيادة ، وفيه العطف بواو العطف ، وهو أشهر في كلام العرب ، وفيه السلام بالألف واللام ، وهما للاستغراق . وقال عبد الرحمن بن الأسود ، عن أبيه ، قال : حدثنا عبد الله بن مسعود { ، أن [ ص: 315 ] النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد في الصلاة ، قال : وكنا نتحفظه عن عبد الله كما نتحفظ حروف القرآن } الواو والألف . وهذا يدل على ضبطه ، فكان أولى .

( 746 ) فصل : وبأي تشهد تشهد مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم جاز . نص عليه أحمد فقال : تشهد عبد الله أعجب إلي ، وإن تشهد بغيره فهو جائز ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما علمه الصحابة مختلفا دل على جواز الجميع ، كالقراءات المختلفة التي اشتمل عليها المصحف . قال القاضي : وهذا يدل على أنه إذا أسقط لفظة هي ساقطة في بعض التشهدات المروية صح تشهده ، فعلى هذا يجوز أن يقال : أقل ما يجزئ التحيات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله ، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أو أن محمدا رسول الله .

وقد قال أحمد في رواية أبي داود : إذا قال : " وأن محمدا عبده ورسوله " . ولم يذكر " وأشهد " أرجو أن يجزئه . قال ابن حامد : رأيت بعض أصحابنا يقول : لو ترك واوا أو حرفا أعاد الصلاة ; لقول الأسود : فكنا نتحفظه عن عبد الله كما نتحفظ حروف القرآن .

والأول أصح ; لما ذكرنا ، وقول الأسود يدل على أن الأولى والأحسن الإتيان بلفظه وحروفه ، وهو الذي ذكرنا أنه المختار ، وعلى أن عبد الله كان يرخص في إبدال لفظات من القرآن ، فالتشهد أولى ، فقد روي عنه أن إنسانا كان يقرأ عليه { : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم } . فيقول : طعام اليتيم . فقال له عبد الله : قل طعام الفاجر . فأما ما اجتمعت عليه التشهدات كلها فيتعين الإتيان به ، وهذا مذهب الشافعي .

( 747 ) فصل : ولا تستحب الزيادة على هذا التشهد ، ولا تطويله ، وبهذا قال النخعي ، والثوري ، وإسحاق . وعن الشعبي أنه لم ير بأسا أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيه . وكذلك قال الشافعي ; وعن عمر ، أنه كان إذا تشهد قال : بسم الله خير الأسماء . وعن ابن عمر ، أنه كان يسمي في أوله ، وقال زدت فيه : وحده لا شريك له . وأباح الدعاء فيه بما بدا له .

وقال أيوب ، ويحيى بن سعيد ، وهشام بقول عمر في التسمية ، وقد روى جابر قال ، { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن : بسم الله ، التحيات لله . وذكر التشهد كتشهد ابن مسعود أسأل الله الجنة وأعوذ بالله من النار } ، رواه النسائي وابن ماجه . وقال مالك : ذلك واسع . وسمع ابن عباس رجلا يقول : " بسم الله " . فانتهره .

وبه قال مالك ، وأهل المدينة وابن المنذر ، والشافعي . وهو الصحيح ; لما روى ابن مسعود { ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجلس في الركعتين الأوليين ، كأنه على الرضف حتى يقوم } . رواه أبو داود . والرضف : هي الحجارة المحماة . يعني لما يخففه . وهذا يدل على أنه لم يطوله ، ولم يزد على التشهد شيئا .

وروي عن مسروق ، قال : كنا إذا جلسنا مع أبي بكر كأنه على الرضف حتى يقوم . رواه الإمام أحمد . وقال حنبل : رأيت أبا عبد الله يصلي ، فإذا جلس في الجلسة بعد الركعتين أخف الجلوس ، ثم يقوم كأنه على الرضف ، وإنما قصد الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه . ولأن الصحيح من التشهدات ليس فيه [ ص: 316 ] تسمية ولا شيء من هذه الزيادات ، فيقتصر عليها ، ولم تصح التسمية عند أصحاب الحديث ، ولا غيرها مما وقع الخلاف فيه ، وإن فعله جاز ; لأنه ذكر .

( 748 ) فصل : وإذا أدرك بعض الصلاة مع الإمام ، فجلس الإمام في آخر صلاته ، لم يزد المأموم على التشهد الأول ، بل يكرره .

نص عليه أحمد فيمن أدرك مع الإمام ركعة ، قال : يكرر التشهد ، ولا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ولا يدعو بشيء مما يدعى به في التشهد الأخير ; لأن ذلك إنما يكون في التشهد الذي يسلم عقيبه ، وليس هذا كذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية