صفحة جزء
[ ص: 318 ] مسألة : قال : ( ويتشهد بالتشهد الأول ، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم فيقول : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وعلى آل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ) وجملته أنه إذا جلس في آخر صلاته فإنه يتشهد بالتشهد الذي ذكرناه ، ثم يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الخرقي ، وهي واجبة في صحيح المذهب ، وهو قول الشافعي وإسحاق . وعن أحمد أنها غير واجبة . قال المروذي : قيل لأبي عبد الله . إن ابن راهويه يقول : لو أن رجلا ترك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد ، بطلت صلاته . قال : ما أجترئ أن أقول هذا . وقال في موضع : هذا شذوذ . وهذا يدل على أنه لم يوجبها .

وهذا قول مالك ، والثوري ، وأصحاب الرأي ، وأكثر أهل العلم . قال ابن المنذر : هو قول جل أهل العلم إلا الشافعي . وكان إسحاق يقول : لا يجزئه إذا ترك ذلك عامدا . قال ابن المنذر : وبالقول الأول أقول ; لأنني لا أجد الدلالة موجودة في إيجاب الإعادة عليه . واحتجوا بحديث ابن مسعود { : أن النبي صلى الله عليه وسلم علمه التشهد ، ثم قال : إذا قلت هذا - أو قضيت هذا - فقد تمت صلاتك } . وفي لفظ : " وقد قضيت صلاتك ، فإن شئت أن تقوم فقم ، وإن شئت أن تقعد فاقعد " رواه أبو داود .

وقال النبي صلى الله عليه وسلم { : إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع } . رواه مسلم . أمرنا بالاستعاذة عقيب التشهد من غير فصل . ولأن الصحابة كانوا يقولون في التشهد قولا ، فنقلهم عنه النبي صلى الله عليه وسلم إلى التشهد وحده ، فدل على أنه لا يجب غيره ، ولأن الوجوب من الشرع ، ولم يرد بإيجابه .

وظاهر مذهب أحمد رحمه الله وجوبه ; فإن أبا زرعة الدمشقي نقل عن أحمد ، أنه قال : كنت أتهيب ذلك ، ثم تبينت ، فإذا الصلاة واجبة . فظاهر هذا أنه رجع عن قوله الأول إلى هذا ; لما روى كعب بن عجرة ، قال : { إن النبي صلى الله عليه وسلم خرج علينا فقلنا : يا رسول الله قد علمنا كيف نسلم عليك ، فكيف نصلي عليك ؟ قال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد ، وبارك على محمد وآل محمد ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد } . متفق عليه .

وروى الأثرم عن فضالة بن عبيد { سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يدعو في صلاته لم يمجد ربه ، ولم يصل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : عجل هذا . ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : إذا صلى أحدكم فليبدأ بتمجيد ربه والثناء عليه ، ثم ليصل على النبي صلى الله عليه وسلم ثم ليدع بعد بما شاء } . ولأن الصلاة عبادة شرط فيها ذكر الله تعالى بالشهادة ، فشرط ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كالأذان . فأما حديث ابن مسعود ، فقال الدارقطني : الزيادة فيه من كلام ابن مسعود .

( 756 ) فصل : وصفة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر الخرقي ، لما روينا من حديث كعب بن عجرة ، وقد رواه النسائي كذلك ، إلا أنه قال : " كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم " ، و " كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم " وفي رواية : " كما صليت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد " و " كما باركت على إبراهيم ، إنك حميد مجيد " قال الترمذي : وهو حديث حسن صحيح . وفي رواية ابن مسعود : { كما صليت على إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم ; في العالمين ، إنك حميد مجيد } . رواه مسلم .

وعن أبي حميد { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : قولوا : اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته ، كما صليت على آل إبراهيم ; وبارك على محمد وعلى [ ص: 319 ] أزواجه وذريته ، كما باركت على آل إبراهيم ، إنك حميد مجيد } . رواه البخاري . والأولى أن يأتي بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم على الصفة التي ذكر الخرقي . لأن ذلك في حديث كعب بن عجرة ، وهو أصح حديث روي فيها . وعلى أي صفة أتى بالصلاة عليه مما ورد في الأخبار ، جاز ، كقولنا في التشهد ، وظاهره أنه إذا أخل بلفظ ساقط في بعض الأخبار ، جاز ، لأنه لو كان واجبا لما أغفله النبي صلى الله عليه وسلم . قال القاضي أبو يعلى : ظاهر كلام أحمد أن الصلاة واجبة على النبي صلى الله عليه وسلم حسب ; لقوله في خبر أبي زرعة : الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر ، من تركها أعاد الصلاة ، ولم يذكر الصلاة على آله .

وهذا مذهب الشافعي . ولهم في وجوب الصلاة على آله وجهان . وقال بعض أصحابنا : تجب الصلاة على الوجه الذي في خبر كعب ; لأنه أمر به ، والأمر يقتضي الوجوب . والأول أولى ، والنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم بهذا حين سألوه تعليمهم ، ولم يبتدئهم به .

( 757 ) فصل : آل النبي صلى الله عليه وسلم : أتباعه على دينه ، كما قال الله تعالى { أدخلوا آل فرعون } . يعني أتباعه من أهل دينه .

وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم { ، أنه سئل : من آل محمد ؟ فقال : كل تقي } . أخرجه تمام في " فوائده " . وقيل آله : أهله ، الهاء منقلبة عن الهمزة ، كما يقال : أرقت الماء وهرقته . فلو قال : وعلى أهل محمد ، مكان آل محمد ، أجزأه عند القاضي ، وقال : معناهما واحد ، ولذلك لو صغر ، قيل : أهيل : قال . ومعناهما جميعا أهل دينه .

وقال ابن حامد وأبو حفص : لا يجزئ ; لما فيه من مخالفة لفظ الأثر ، وتغيير المعنى ، فإن الأهل إنما يعبر به عن القرابة ، والآل يعبر به عن الأتباع في الدين .

( 758 ) فصل : وأما تفسير التحيات ، فروي عن ابن عباس ، قال : التحية العظمة ، والصلوات الصلوات الخمس ، والطيبات الأعمال الصالحة . وقال أبو عمرو : التحيات الملك . وأنشد :

ولكل ما نال الفتى قد نلته إلا التحية

وقال بعض أهل اللغة : التحية البقاء . واستشهد بهذا البيت .

وقال ابن الأنباري : التحيات السلام ، والصلوات الرحمة ، والطيبات من الكلام .

( 759 ) فصل : والسنة إخفاء التشهد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يجهر به ، إذ لو جهر به لنقل كما نقلت القراءة . وقال عبد الله بن مسعود : من السنة إخفاء التشهد . رواه أبو داود . ولأنه ذكر غير القراءة لا ينتقل به من ركن إلى ركن ، فاستحب إخفاؤه ، كالتسبيح ، ولا نعلم في هذا خلافا .

[ ص: 320 ] فصل ( 760 ) : ولا يجوز لمن قدر على العربية التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بغيرها ; لما ذكرنا في التكبير . فإن عجز عن العربية تشهد بلسانه ، كقولنا في التكبير ، ويجيء على قول القاضي أن لا يتشهد ، وحكمه حكم الأخرس . ومن قدر على تعلم التشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم لزمه ذلك ; لأنه من فروض الأعيان ، فلزمه كالقراءة .

فإن صلى قبل تعلمه مع إمكانه ، لم تصح صلاته . وإن خاف فوات الوقت ، أو عجز عن تعلمه ، أتى بما يمكنه منه ، وأجزأه ; للضرورة . وإن لم يحسن شيئا بالكلية ، سقط كله .

( 761 ) فصل : والسنة ترتيب التشهد ، وتقديمه على الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فإن لم يفعل ، وأتى به منكسا من غير تغيير شيء من معانيه ، ولا إخلال بشيء من الواجب فيه ، ففيه وجهان : أحدهما يجزئه . ذكره القاضي . وهو مذهب الشافعي ; لأن المقصود المعنى ، وقد حصل ، فصح كما لو رتبه . والثاني لا يصح ; لأنه أخل بالترتيب في ذكر ورد الشرع به مرتبا ، فلم يصح كالأذان .

التالي السابق


الخدمات العلمية