صفحة جزء
( 7112 ) الفصل الثاني : أنه إذا ثبتت ردته بالبينة ، أو غيرها فشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، لم يكشف عن صحة ما شهد عليه به ، وخلي سبيله ، ولا يكلف الإقرار بما نسب إليه ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم { أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله . فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها ، وحسابهم على الله عز وجل } . متفق عليه . ولأن هذا يثبت به إسلام الكافر الأصلي فكذلك إسلام المرتد ، ولا حاجة مع ثبوت إسلامه إلى الكشف عن صحة ردته .

وكلام الخرقي محمول على من كفر بجحد الوحدانية ، أو جحد رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو جحدهما معا ، فأما من كفر بغير هذا ، فلا يحصل إسلامه إلا بالإقرار بما جحده . ومن أقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وأنكر كونه مبعوثا إلى العالمين ، لا يثبت إسلامه حتى يشهد أن محمدا رسول الله إلى الخلق أجمعين ، أو يتبرأ مع الشهادتين من كل دين يخالف الإسلام . وإن زعم أن محمدا رسول مبعوث بعد غير هذا ، لزمه الإقرار بأن هذا المبعوث هو رسول الله ; لأنه إذا اقتصر على الشهادتين ، احتمل أنه أراد ما اعتقده . وإن ارتد بجحود فرض ، لم يسلم حتى يقر بما جحده ، ويعيد الشهادتين ; لأنه كذب الله ورسوله بما اعتقده . وكذلك إن جحد نبيا ، أو آية من كتاب الله تعالى ، أو كتابا من كتبه ، أو ملكا من ملائكته الذين ثبت أنهم ملائكة الله ، أو استباح محرما ، فلا بد في إسلامه من الإقرار بما جحده .

وأما الكافر بجحد الدين من أصله ، إذا شهد أن محمدا رسول الله ، واقتصر على ذلك ، ففيه روايتان ; إحداهما ، يحكم بإسلامه ; لأنه روي { أن يهوديا قال : أشهد أن محمدا رسول الله . ثم مات ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : صلوا على صاحبكم . } ولأنه لا يقر برسالة محمد صلى الله عليه وسلم إلا وهو مقر بمن أرسله ، وبتوحيده ; لأنه صدق النبي صلى الله عليه وسلم فيما جاء به ، وقد جاء بتوحيده . والثانية ، أنه إن كان مقرا بالتوحيد كاليهود ، حكم بإسلامه ; لأن توحيد الله ثابت في حقه ، وقد ضم إليه الإقرار برسالة محمد صلى الله عليه وسلم فكمل إسلامه ، وإن كان غير موحد ، كالنصارى والمجوس والوثنيين ، لم يحكم بإسلامه ، حتى يشهد أن لا إله إلا الله . وبهذا جاءت أكثر الأخبار ، وهو الصحيح ; لأن من جحد شيئين لا يزول جحدهما إلا بإقراره بهما جميعا . وإن قال : أشهد أن النبي صلى الله عليه وسلم رسول الله . لم نحكم بإسلامه ; لأنه يحتمل أن يريد غير نبينا .

وإن قال : أنا مؤمن أو أنا مسلم . فقال القاضي : يحكم بإسلامه بهذا ، وإن لم يلفظ بالشهادتين ; لأنهما اسمان لشيء معلوم معروف وهو [ ص: 29 ] الشهادتان ، فإذا أخبر عن نفسه بما تضمن الشهادتين ، كان مخبرا بهما . وروى المقداد ، أنه قال : { يا رسول الله أرأيت إن لقيت رجلا من الكفار ، فقاتلني ، فضرب إحدى يدي بالسيف ، فقطعها ، ثم لاذ مني بشجرة ، فقال : أسلمت . أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها ؟ قال : لا تقتله ، فإن قتلته ، فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله ، وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قالها . }

وعن عمران بن حصين . قال : { أصاب المسلمون رجلا من بني عقيل ، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا محمد ، إني مسلم . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنت قلت وأنت تملك أمرك ، أفلحت كل الفلاح } . رواهما مسلم . ويحتمل أن هذا في الكافر الأصلي ، أو من جحد الوحدانية أما من كفر بجحد نبي أو كتاب أو فريضة ونحوها ، فلا يصير مسلما بذلك ; لأنه ربما اعتقد أن الإسلام ما هو عليه ، فإن أهل البدع كلهم يعتقدون أنهم هم المسلمون ، ومنهم من هو كافر .

التالي السابق


الخدمات العلمية