صفحة جزء
( 7131 ) مسألة : قال أبو القاسم رحمه الله : ( وإذا زنى الحر المحصن ، أو الحرة المحصنة ، جلدا ورجما حتى يموتا ، في إحدى الروايتين عن أبي عبد الله ، رحمه الله ، والرواية الأخرى ، يرجمان ، ولا يجلدان ) الكلام في هذه المسألة في فصول ثلاثة : [ ص: 39 ] الفصل الأول : في وجوب الرجم على الزاني المحصن ، رجلا كان أو امرأة . وهذا قول عامة أهل العلم من الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم من علماء الأمصار في جميع الأعصار ، ولا نعلم فيه مخالفا إلا الخوارج ، فإنهم قالوا : الجلد للبكر والثيب ، لقول الله تعالى : { الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة } . وقالوا : لا يجوز ترك كتاب الله تعالى الثابت بطريق القطع واليقين ، لأخبار آحاد يجوز الكذب فيها ، ولأن هذا يفضي إلى نسخ الكتاب بالسنة ، وهو غير جائز .

ولنا ، أنه قد ثبت الرجم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله ، في أخبار تشبه المتواتر ، وأجمع عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ما سنذكره في أثناء الباب في مواضعه ، إن شاء الله تعالى ، وقد أنزله الله تعالى في كتابه ، وإنما نسخ رسمه دون حكمه ، فروي عن { عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : إن الله تعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق ، وأنزل عليه الكتاب ، فكان فيما أنزل عليه آية الرجم ، فقرأتها وعقلتها ووعيتها ، ورجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده . فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله . فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ، فالرجم حق على من زنى إذا أحصن ، من الرجال والنساء ، إذا قامت البينة ، أو كان الحبل ، أو الاعتراف ، وقد قرأتها : الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالا من الله والله عزيز حكيم } متفق عليه .

وأما آية الجلد ، فنقول بها ، فإن الزاني يجب جلده ، فإن كان ثيبا رجم مع الجلد ، والآية لم تتعرض لنفيه . وإلى هذا أشار علي رضي الله عنه حين جلد شراحة ، ثم رجمها ، وقال : جلدتها بكتاب الله تعالى ، ثم رجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم . ثم لو قلنا : إن الثيب لا يجلد لكان هذا تخصيصا للآية العامة ، وهذا سائغ بغير خلاف ، فإن عمومات القرآن في الإثبات كلها مخصصة . وقولهم : إن هذا نسخ . ليس بصحيح وإنما هو تخصيص ، ثم لو كان نسخا ، لكان نسخا بالآية التي ذكرها عمر رضي الله عنه وقد روينا أن رسل الخوارج جاءوا عمر بن عبد العزيز ، رحمه الله ، فكان من جملة ما عابوا عليه الرجم ، وقالوا : ليس في كتاب الله إلا الجلد .

وقالوا : الحائض أوجبتم عليها قضاء الصوم دون الصلاة ، والصلاة أوكد . فقال لهم عمر : وأنتم لا تأخذون إلا بما في كتاب الله ؟ قالوا : نعم . قال : فأخبروني عن عدد الصلوات المفروضات ، وعدد أركانها وركعاتها ومواقيتها ، أين تجدونه في كتاب الله تعالى ؟ وأخبروني عما تجب الزكاة فيه ، ومقاديرها ونصبها ؟ فقالوا : أنظرنا فرجعوا يومهم ذلك ، فلم يجدوا شيئا مما سألهم عنه في القرآن . فقالوا : لم نجده في القرآن . قال : فكيف ذهبتم إليه ؟ قالوا : لأن النبي صلى الله عليه وسلم فعله وفعله المسلمون بعده . فقال لهم فكذلك الرجم ، وقضاء الصوم ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ورجم خلفاؤه بعده والمسلمون ، وأمر النبي بقضاء الصوم دون الصلاة ، وفعل ذلك نساؤه ونساء أصحابه . إذا ثبت هذا ، فمعنى الرجم أن يرمى بالحجارة وغيرها حتى يقتل بذلك .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن المرجوم يدام عليه الرجم حتى يموت . ولأن إطلاق الرجم يقتضي القتل به ، كقوله تعالى : { لتكونن من المرجومين } . وقد { رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهوديين اللذين زنيا ، وماعزا ، والغامدية ، حتى ماتوا . }

التالي السابق


الخدمات العلمية