صفحة جزء
( 771 ) فصل : والواجب تسليمة واحدة ، والثانية سنة . قال ابن المنذر : أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم ، أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة ، جائزة ، وقال القاضي فيه رواية أخرى ، أن الثانية واجبة . وقال : هي أصح ; لحديث جابر بن سمرة ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعلها ويداوم عليها ، ولأنها عبادة لها تحللان ، فكانا واجبين ، كتحللي الحج ، ولأنها إحدى التسليمتين ، فكانت واجبة كالأولى . والصحيح ما ذكرناه .

وليس نص أحمد بصريح بوجوب التسليمتين ، إنما قال : التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث ابن مسعود وغيره أذهب إليه . ويجوز أن يذهب إليه في المشروعية والاستحباب ، دون الإيجاب كما ذهب إلى ذلك غيره ، وقد دل عليه قوله في رواية مهنا : أعجب إلي التسليمتان . ولأن عائشة ، وسلمة بن الأكوع ، وسهل بن سعد . قد رووا : { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة } وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة ففيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة رضي الله عنهم في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين ، والواجب واحدة ، وقد دل على صحة هذا الإجماع الذي حكاه ابن المنذر فلا معدل عنه ، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم يحمل على المشروعية والسنة ; فإن أكثر أفعال النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة مسنونة غير واجبة ، فلا يمنع حمل فعله لهذه التسليمة على السنة عند قيام الدليل عليها ، والله أعلم .

ولأن التسليمة الواحدة يخرج بها من الصلاة ، فلم يجب عليه شيء آخر فيها ، ولأن هذه صلاة ، فتجزئه فيها تسليمة واحدة ، ولأن هذه واحدة كصلاة الجنازة والنافلة . وأما قوله في حديث جابر : { إنما يكفي أحدكم } فإنه يعني في إصابة السنة ; بدليل أنه قال : أن { يضع يده على فخذه ، ثم يسلم على أخيه عن يمينه وشماله . } وكل هذا غير واجب . وهذا الخلاف الذي ذكرناه في الصلاة المفروضة ، أما صلاة الجنازة ، والنافلة ، وسجود التلاوة ، فلا خوف في أنه يخرج منها بتسليمة واحدة . قال القاضي : هذا - رواية واحدة - نص عليه أحمد في صلاة الجنازة وسجود التلاوة ; ولأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لم يسلموا في صلاة الجنازة إلا تسليمة واحدة . والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية