صفحة جزء
( 7251 ) مسألة : قال أبو القاسم - رحمه الله - : ( وإذا سرق ربع دينار من العين ، أو ثلاثة دراهم من الورق ، أو قيمة ثلاثة دراهم ، طعاما كان أو غيره ، وأخرجه من الحرز ، قطع ) وجملته أن القطع لا يجب إلا بشروط سبعة ; أحدها : السرقة ، ومعنى السرقة : أخذ المال على وجه الخفية والاستتار . ومنه استراق السمع ، ومسارقة النظر ، إذا كان يستخفي بذلك ، فإن اختطف أو اختلس ، لم يكن سارقا ، ولا قطع عليه عند أحد علمناه غير إياس بن معاوية ، قال : أقطع المختلس ; لأنه يستخفي بأخذه ، فيكون سارقا ، وأهل الفقه والفتوى من علماء الأمصار على خلافه .

وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ليس على الخائن ولا المختلس قطع } . وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { ليس على المنتهب قطع } . رواهما أبو داود . وقال : لم يسمعهما ابن جريج من أبي الزبير . ولأن الواجب قطع السارق ، وهذا غير سارق ; ولأن الاختلاس نوع من الخطف والنهب ، وإنما يستخفي في ابتداء اختلاسه ، بخلاف السارق . واختلفت الرواية ، عن أحمد ، في جاحد العارية ، فعنه : عليه القطع . وهو قول إسحاق ; لما روي عن عائشة ، { أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقطع يدها ، فأتى أهلها أسامة فكلموه ، فكلم النبي صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا أراك تكلمني في حد من حدود الله تعالى . ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيبا ، فقال : إنما هلك من كان قبلكم بأنه إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه ، والذي نفسي بيده ، لو كانت فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وسلم لقطعت يدها . قالت : فقطع يدها } . قال أحمد : لا أعرف شيئا يدفعه . متفق عليه ، وعنه : لا قطع عليه ، وهو قول الخرقي ، وأبي إسحاق بن شاقلا ، وأبي الخطاب ، وسائر الفقهاء . وهو الصحيح - إن شاء الله تعالى - ; لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { لا قطع على الخائن } .

ولأن الواجب قطع السارق ، والجاحد غير سارق ، وإنما هو خائن ، فأشبه [ ص: 94 ] جاحد الوديعة ، والمرأة التي كانت تستعير المتاع إنما قطعت لسرقتها ، لا بجحدها ، ألا ترى قوله : { إذا سرق فيهم الشريف تركوه ، وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه } . وقوله : { والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد ، لقطعت يدها } . وفي بعض ألفاظ رواية هذه القصة عن عائشة ، أن قريشا أهمهم شأن المخزومية التي سرقت ، وذكرت القصة . رواه البخاري .

وفي حديث أنها سرقت قطيفة ، فروى الأثرم ، بإسناده عن مسعود بن الأسود قال : { لما سرقت المرأة تلك القطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظمنا ذلك ، وكانت امرأة من قريش ، فجئنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا : نحن نفديها بأربعين أوقية . قال : تطهر خير لها . فلما سمعنا لين قول رسول الله ، أتينا أسامة ، فقلنا : كلم لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم . } وذكر الحديث نحو سياق عائشة . وهذا ظاهر في أن القصة واحدة ، وأنها سرقت فقطعت بسرقتها ، وإنما عرفتها عائشة بجحدها للعارية ; لكونها مشهورة بذلك ، ولا يلزم أن يكون ذلك سببا ، كما لو عرفتها بصفة من صفاتها ، وفيما ذكرنا جمع بين الأحاديث ، وموافقة لظاهر الأحاديث والقياس وفقهاء الأمصار ، فيكون أولى . فأما جاحد الوديعة وغيرها من الأمانات ، فلا نعلم أحدا يقول بوجوب القطع عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية