صفحة جزء
الشرط الثاني : أن يكون المسروق نصابا ، ولا قطع في القليل ، في قول الفقهاء كلهم ، إلا الحسن ، وداود ، وابن بنت الشافعي ، والخوارج ، قالوا : يقطع في القليل والكثير ; لعموم الآية ، ولما روى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لعن الله السارق ، يسرق الحبل فتقطع يده ، ويسرق البيضة فتقطع يده } . متفق عليه . ولأنه سارق من حرز ، فتقطع يده ، كسارق الكثير .

ولنا قول النبي صلى الله عليه وسلم : { لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا } . متفق عليه . وإجماع الصحابة على ما سنذكره . وهذا يخص عموم الآية ، والحبل يحتمل أن يساوي ذلك ، وكذلك البيضة ، يحتمل أن يراد بها بيضة السلاح ، وهي تساوي ذلك . واختلفت الرواية عن أحمد في قدر النصاب الذي يجب القطع بسرقته ، فروى عنه أبو إسحاق الجوزجاني ، أنه ربع دينار من الذهب ، أو ثلاثة دراهم من الورق ، أو ما قيمته ثلاثة دراهم من غيرهما . وهذا قول مالك ، وإسحاق . وروى عنه الأثرم ، أنه إن سرق من غير الذهب والفضة ، ما قيمته ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم قطع . فعلى هذا يقوم غير الأثمان بأدنى الأمرين ، من ربع دينار ، أو ثلاثة دراهم .

وعنه ، أن الأصل الورق ، ويقوم الذهب به ، فإن نقص ربع دينار عن ثلاثة دراهم ، لم يقطع سارقه . وهذا يحكى عن الليث ، وأبي ثور . وقالت عائشة : لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا . وروي هذا عن عمر ، وعثمان ، وعلي ، رضي الله عنهم . وبه قال الفقهاء السبعة ، وعمر بن عبد العزيز ، والأوزاعي ، والشافعي ، وابن المنذر ; لحديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { لا قطع إلا في ربع دينار فصاعدا . } وقال عثمان البتي : تقطع اليد في درهم ، فما فوقه . وعن أبي هريرة ، وأبي سعيد ، أن اليد تقطع في أربعة دراهم فصاعدا . وعن عمر أن الخمس لا تقطع إلا في الخمس . وبه قال سليمان بن يسار ، وابن أبي ليلى ، وابن شبرمة . [ ص: 95 ] وروي ذلك عن الحسن .

وقال أنس : قطع أبو بكر في مجن قيمته خمسة دراهم . رواه الجوزجاني بإسناده . وقال عطاء ، وأبو حنيفة ، وأصحابه : لا تقطع اليد إلا في دينار ، أو عشرة دراهم ; لما روى الحجاج بن أرطاة ، عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { لا قطع إلا في عشرة دراهم } . وروى ابن عباس . قال : { قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم يد رجل في مجن ، قيمته دينار ، أو عشرة دراهم } . وعن النخعي : لا تقطع اليد إلا في أربعين درهما . ولنا ما روى ابن عمر ، { أن رسول الله قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم } . متفق عليه . قال ابن عبد البر : هذا أصح حديث يروى في هذا الباب ، لا يختلف أهل العلم في ذلك . وحديث أبي حنيفة الأول يرويه الحجاج بن أرطاة ، وهو ضعيف ، والذي يرويه عن الحجاج ضعيف أيضا . والحديث الثاني لا دلالة فيه على أنه لا يقطع بما دونه ، فإن من أوجب القطع بثلاثة دراهم ، أوجبه بعشرة ، ويدل هذا الحديث على أن العرض يقوم بالدراهم ; لأن المجن قوم بها ; ولأن ما كان الذهب فيه أصلا ، كان الورق فيه أصلا ، كنصب الزكاة ، والديات وقيم المتلفات .

وقد روى أنس ، أن سارقا سرق مجنا ما يسرني أنه لي بثلاثة دراهم ، أو ما يساوي ثلاثة دراهم ، فقطعه أبو بكر . وأتي عثمان برجل قد سرق أترجة ، فأمر بها عثمان فأقيمت ، فبلغت قيمتها ربع دينار ، فأمر به عثمان فقطع .

التالي السابق


الخدمات العلمية